21-08-2014 12:37 AM
سرايا - سرايا - وصف أدباء أردنيون الشاعر الراحل سميح القاسم بـ»أحد أكبر رموز ما عرف بشعراء المقاومة في فلسطين بوقت مبكر»، كما كان «واحدا من كوكبة الشعراء الذين منحوا القصيدة في فلسطين بعدا عربيا»، مؤكدين أن القاسم لم يتوقف «عن كتابة الشعر منذ كتب أولى قصائده وظل وفيا لبداياته الشعرية اسلوبا ونضالا والتزاما وترك وراءه ارثا شعريا ينبض بحب الوطن والحياة ومتفاعلا مع كل الاحداث التي مر بها الوطن العربي».
وقد نعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشاعر الراحل، ونقلت عنه الوكالة الفلسطينية قوله إن «الشاعر القاسم صاحب الصوت الوطني الشامخ رحل بعد مسيرة حافلة بالعطاء والذي كرس جل حياته مدافعا عن الحق والعدل والأرض». فيما يلي تستلطع «الدستور» آراء كوكبة من المبدعين الأردنيين حول التجربة الإبداعية للراحل القاسم، وحجم الخسارة الذي تركها رحيله:
إنه يتظاهر بالموت
الشاعر جريس سماوي قال: «سميح القاسم الذي كان دائما وابدا على سفر دائم في القصيدة والنضال استقر الان في سفره الأخير الى وجهته الأخيرة. أنه يسافر الان سفرا جديدا .. أنه يتظاهر بالموت. لأن الشاعر لا يموت. عرفته صديقا وانسانا متفائلا محبا للحياة مؤمنا بها وبالأنسان. كانت جلساته مليئة بالمرح وخفة الظل والمزاح الجميل فهو يحيط من حوله بالحب الكبير والعالي.. ولقد كنت قدمته في عدة ندوات في مهرجان جرش وغيره فكان دائما محاطا بمحبي شعره وميريديه من كافة ابناء الوكن العربي ..
رحل ابن الزرقاء الأردنية.. ابن الضابط في الجيش الأردني.. ابن فلسطين..
رحل أحد العشرين مستحيلا في اللد في الرملة في الجليل كما قال صنوه توفيق زياد. رحل وفي فمه المزيد من الكلام والمزيد من التمرد ... رحل الذي « لا يستأذن أحدا «بعد أن ملأ الأرض شعرا وغضبا واحتجاجا جميلا. هو الذي مزج الشعر بالنضال وبالأنسانية فكان رمزا للشاعر الأنساني الموسوعي الذي يتخذ موقفا من الحياة كلها وليس من أحدى زواياها أو قضاياها.. وهو في نضالاته المستمرة ضد المغتصب الصهيوني وضد أضطهاد شعبه يقف مع الانسان المضطهد وفي صفه اينما كان. عرفنا القاسم في قصائده التي ترفض الاستسلام والخنوع بل تتمرد على الغاصب.. ها هو منتصب القامة يمشي.. لا يعبأ بالمحتل بل يقارعه بالقلم والنشيد.
كأنني في رحيله أردد معه أحدى قصائده:
أشد من الماء حزنا
تغربت في دهشة الموت عن هذه اليابسة
أشد من الماء حزنا
واعتى من الريح توقا الى لحظة ناعسة
وحيدا، ومزدحما بالملايين، خلف شبابيكها الدامسة.
لا أرثيه ولكنني ألوح له بيدي وهو سائر الى وجهته البعيدة وقد اكتض حبا بفلسطين وبالأنسان ، مؤنته القدس وحيفا ويافا .. مؤونته حب العروبة والأنسان . سلام عليك أيها الراحل الجميل سميح القاسم».
روح المقاومة
في حين اعتبر الشاعر عبد الله رضوان أن موت «مبدعنا الكبير شاعر المقاومة سميح القاسم خسارة كبيرة للأدبين الفلسطيني بخاصة والعربي بعامة، بل وللأدب العالمي أيضا، ذلك أن روح المقاومة التي مثّلها القاسم ورفاقه هي روح إنسانية عامة منحازة الى الحياة». وأضاف: «كما أننا بموت سميح نكون قد فقدنا مربع المقاومة الرئيسي في الداخل الفلسطيني فقد سرق الموت منا قبل ذلك كلا من راشد حسين وتوفيق زياد ومحمود درويش وها هو يكمل مربع الخسارة بموت القاسم.فإذا انتقلنا الى خصوصية شعر سميح القاسم فإنني أشير الى خاصيتين امتاز بهما شعره الأولى المباشرة الواضحة حدّ التقريرية في الخطاب الشعري وبشكل أكثر مباشرة من توفيق زياد كمثال، مع الحفاظ على الشعرية عبر الصورة الكلية من جهة وعبر الانحياز الى جوهر الحياة ممثلا برفض الاستسلام مهما كان شكله».
أحد رموز شعراء المقاومة
الأديب رسمي أبو علي قال: سميح احد اكبر رموز ما عرف بشعراء المقاومة في فلسطين بوقت مبكر الى جانب محمود درويش وتوفيق زياد وأبيهم الرواحي راشد حسين وقد اعترف درويش بهذه الابوة متأخرا، وقد كان القاسم غزير الانتاج وحاضرا في جميع المناسبات القومية، وهنا لا بد أن أنوه بعلاقته الخاصة بالاردن حيث ولد في مدينة الزرقاء لذا كنا نعتبره شاعرا أردنيا أيضا. شخصيا التقيت بالراحل عدة مرات خلال زياراته لعمان وأحمل له في قلبي مودة خاصة، فهو رجل شعبي ومتواضع ومن السهولة أن تنسج معه أواصر الصداقة والرفقة.
رمز وطني وأدبي
من جانبه قال الدكتور راشد عيسى: «سميح القاسم يعد واحدا من كوكبة الشعراء الذين منحوا القصيدة في فلسطين بعدا عربيا، وكان رمزا لشعر المقاومة منذ بداياته حيث شكل مع محمود درويش ثنائيا لافتا للانتباه، ولاشك أنه أدى دورا فنيا لبناء القصيدة العربية المعاصرة في ظل ظروف الاحتلال الصعبة ومصادرة حرية الراي والتعبير، وقد اختلف عن درويش بتقديمه عددا من القصائد الانفعالية الوطينة مثل قصيدة «تقدموا..تقدموا»، ويحمد له صموده وبقاؤه في الأراضي المحتلة، وأنه على اي حال يعد رمزا وطنيا الى جانب قيمته الأدبية».
فارس من فرسان الكلمة العربية الاصيلة
الشاعر محمد سمحان رأى في القاسم «فارسا من فرسان الكلمة العربية الاصيلة والنبيلة شاعر فلسطين والجزائر ومصر والعراق وسوريا والاردن وكل ذرة تراب من وطننا الكبير الذي تربينا على أناشيده وأغانيه». وأضاف: برحيله ينضم القاسم إلى كوكبة كبار شعراء فلسطين ممن سبقوه من امثال ابراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وابي سلمى ويوسف الخطيب وتوفيق زياد وراشد حسين ومحمود درويش. يا سميح سيبقى شعرك نبراسا وبوصلة ومنهاجا وسراجا وهاجا يلهم الاجيال التي تربت على قراءته او الاستماع اليه وسيبقى نشيدك الخالد: منتصب القامة امشي..، سيبقى نشيدك يحفزنا على ان نكون كما كنت وكما شئت. وأضاف: «لم يتوقف سميح عن كتابة الشعر منذ كتب اولى قصائده وظل وفيا لبداياته الشعرية اسلوبا ونضالا والتزاما وترك وراءه ارثا شعريا ينبض بحب الوطن والحياة ومتفاعلا مع كل الاحداث التي مر بها الوطن العربي والعالم منذ النكبة فحرب السويس ونكسة عام 1967 واحداث كوبا وفيتنام والجزائر واليمن وكل مكان فيه حركة تحرر في العالم».
إضاءة على السيرة
القاسم نفسه ولد يوم 11 أيار 1939 في مدينة الزرقاء، ودرس في بلدة الرامة وبالناصرة شمال فلسطين، واعتقل عدة مرات، وفرضت عليه الإقامة الجبرية من قوات الاحتلال بسبب مواقفه الوطنية والقومية، وقد قاوم التجنيد الذي فرضته إسرائيل على الطائفة الدرزية التي ينتمي إليها. وتنوعت أعمال القاسم بين الشعر والنثر والمسرحيات، وبلغت أكثر من سبعين عملا، كما اشتهر بمراسلاته مع الشاعر محمود درويش الذي ترك البلاد في السبعينيات، والتي عرفت بـ»كتابات شطري البرتقالة». ووصف الكاتب عصام خوري هذه المراسلات بأنها «كانت حالة أدبية نادرة وخاصة بين شاعرين كبيرين قلما نجدها في التاريخ». وكتب القاسم قصائد معروفة تغنى في كل العالم العربي، منها قصيدته التي غناها الفنان مرسيل خليفة «منتصب القامة أمشي.. مرفوع الهامة أمشي» كما تذاع قصائده بصوته على القنوات العربية والفلسطينية خصوصا هذه الأيام على إثر العدوان على غزة مثل قصيدة «تقدموا.. تقدموا براجمات حقدكم.. وناقلات جندكم.. فكل سماء فوقكم جهنم.. وكل أرض تحتكم جهنم». وسُجن أكثر من مرة كما وُضع رهن الإقامة الجبرية والاعتقال المنزلي، وطُرد من عمله عدة مرات بسبب نشاطه الشعري والسياسي، وواجهَ أكثر من تهديد بالقتل. وقد صدر له أكثر من ستين كتابا في الشعر والقصة والمسرح والترجمة، وصدر أعماله في سبعة مجلدات، كما ترجم عدد كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات العالم.