31-08-2014 12:09 AM
سرايا - سرايا - تذهب إلى أن الفن يتطور بمنطقه الداخلي الخاص، دون تدخل أي عوامل تنتمي إلى مجال خارج عنه، بحسب مترجم الكتاب د.فؤاد زكريا.
ورأى زكريا أن المؤلف يحرص دائما على الربط بين الفن وما يسميه "بالعامل الاجتماعي"، الذي هو في واقع الأمر عامل اقتصادي وسياسي وثقافي وتاريخي في آن واحد، وحرصه هذا يبلغ حدا يجعله يكرس للإطار الاجتماعي الذي يظهر فيه أي اتجاه فني بعينه، حيزا يفوق بكثير ذلك الذي يكرسه لوصف هذا الاتجاه ذاته، وإن كان يوفي هذا الوصف الأخير حقه بقدر ما تستطيع الكلمات أن تعبر عن روح الأعمال الفنية وتنقل الصور المحسوسة إلى معان ذهنية تصورية.
وأضاف المترجم أن الكتاب الذي جاء في "مجلدين" صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت: يقدم تاريخ الفن على أنه جزء من التطور العام للبشرية - ذهنا وجسما - وهو التطور الذي يستهدف به الإنسان حياة أفضل على الدوام، فقد اتخذ المؤلف من الفن موقفا محددا، يختلف عن موقف كثير من مؤرخي الفن وشراح الأعمال الفنية/ فهو لا يكتفي بإيضاح طبيعة الفن من خلال الفن ذاته، وإنما ينظر إلى الفن داخل إطار أوسع - إطار الحياة الاجتماعية والحضارة الإنسانية في عمومها، وإذا كان بعض الشراح يتصورون أن إدخال عوامل خارجة عن مجال الفن عند شرح اتجاه أو عمل فني معين، هو خطأ منهجي أساسي، فإن مؤلف الكتاب يدفع - على عكس هؤلاء الشراح - عن هذه النظرة إلى الفن داخل سياقة الاجتماعي والحضاري الأوسع.
يرى مؤلف الكتاب وفق زكريا. إن هناك عناصر معينة في العمل الفني لا يمكن أن تفهم فهما داخليا بحتا، وأن شخصية الفن، والظروف الفردية التي مر بها، لا يمكن أن تكون - على أهميتها الكبرى - كافية لتقديم تفسير كاف لظهور واختفاء اتجاهات فنية معينة، وللارتباط الواضح بين تلك الاتجاهات والعناصر الأخرى للحياة الاجتماعية، السائدة في العصر الواحد.
وبين زكريا في مقدمة الكتاب أن المؤلف اتخذ فكرة الأصل الاجتماعي للفن قضية أساسية، وجعلها محورا لكتابه بأكمله، فهو لا يدافع عن الفكرة إلى حد التعصب، وإنما يدرك حدودها ويحرص على التنبيه إليها، وهذا ما يفرق بينه وبين كثير من المدافعين عن هذه الفكرة، الذين يحاولون تطبيعها قسرا حتى في الحالات التي لا توجد فيها أدلة أو شواهد تكفى لإثباتها، فتراهم يتعسفون في التفسير والتأويل رغبة منهم في إدراج كل ظاهرة فنية منفردة ضمن الإطار العام لتفكيرهم.
ورأى المترجم أن المؤلف لم يفسر الفن تفسيرا اجتماعيا لسببين: أولهما نقص المعلومات المتجمعة لدينا عن فترات تاريخية معينة ذلك لأن مثل هذا التفسير يقتضي إحاطته بعناصر واسعة في الحياة الاجتماعية لأي عصر من العصور، فإذا لم تكن هذه العناصر متوافرة لدينا، كان من السهل أن تؤدي قلة المادة المتاحة إلى الوقوع في أخطاء أو الإتيان بتفسيرات متناقضة يدعي كل منها أنه هو الذي يضع الاتجاه أو العمل الفني في إطاره الاجتماعي الصحيح.
أما السبب الآخر فهو الازدياد المطرد في تعقد المجتمعات البشرية: فالتفسير الاجتماعي للفن ينجح إلى أبعد حد في حالة المجتمعات البدائية البسيطة، ولكن كلما تعقدت المجتمعات البشرية، قل الارتباط المباشر بين الفن والظروف الاجتماعية المحيطة به، وأصبح الأصل الاجتماعي للفن أكثر غموضا.
أما مؤلف الكتاب المولود في المجر، فقد درس الأدب وتاريخ الفن في جامعات بودابست وفيينا وبرلين وباريس على يد أساتذة كبار، وبعد الحرب العالمية الأولى قضى سنتين في إيطاليا يقوم بأبحاث في الفن الكلاسيكي والإيطالي، وفي العام 1921، عاد الدكتور هاوزر إلى برلين لدراسة علمي الاقتصاد والاجتماع، وعاش من العام 1924-1938، في فيينا ثم انتقل منذ العام 1938، إلى الإقامة في لندن، حيث عكف على إتمام كتاب له عن السينما من وجهة نظر علم الاجتماع، وقضى حوالي عشرة أعوام في إعداد هذا الكتاب، والذي نشر أول مرة في الولايات المتحدة في العام 1951.