07-09-2014 01:46 PM
يعلم الجميع أن الإرهاب والتطرف أصبحا يشكّلان خطراً حقيقياً على العديد من الدول العربية، وخاصة سوريا والعراق، وقيام الجماعات الإرهابية والتكفيرية فيهما بارتكاب أبشع الجرائم، بحقّ سكان المدن التي سيطرت عليها باسم الدين، وبحجة سعيها إلى إقامة الخلافة الإسلامية، مستغلة الفوضى وحالة الضعف التي تمرّ بها الأمة العربية، جرّاء ما سُمي بالربيع العربي، وهذه المجاميع الإرهابية بوحشيتها وتطرفها، لا تُفرّق بين طائفة أو عرق أو دين، وبسبب أفعالها المشينة وسيطرتها على مناطق واسعة في العراق وسوريا، وبات الجميع في منطقتنا والعالم، يتخوّف من تمدد هذه التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» إلى دول أخرى، في ظلّ وجود حواضن لها في العديد من الدول، وقيام جهات بتمويلها ومدّها بالسلاح النوعي، مما مكنها من استقطاب المزيد من ضعاف النفوس، والشباب المغرر بهم إلى صفوفها بالإغراءات المالية، واستخدام الدين، وهذه حقيقة لا يُمكن أن تُغطى بغربال.
لقد أصبح تنظيم داعش، وفي حربه البشعة على الإنسانية، يُنفّذ العديد من المخططات، ومنها اللعب على وتر الطائفية، لتمرير سياساته الخبيثة والتدميرية، فبدأ إرهابه وجرائمه يمارسها بحق إخوتنا مسيحيي الشرق، فنكّل بهم وهجّرهم، ومارس أبشع الوسائل للنيل منهم ومن كرامتهم، رغم أن شره ومرضه لم يسلم منه أحد، وللأسف، فقد نجح في تنفيذ بعض مراميه حتى اللحظة، فالكلّ يرى ويشاهد إخوتنا مسيحيي العراق وسوريا، وهم يفرّون بأرواحهم من خطره، تاركين كنائسهم وأديرتهم ودورعباداتهم وأموالهم خلفهم.
كما لم يقتصر شرّه على مسيحيي العراق وسوريا، بل تمكّن هذا التنظيم أيضاً من إثارة الخوف لدى المسيحيين في كافة البلدان العربية، وهو خوف مبرر، بسبب ما يرتكبه تنظيم داعش من جرائم بحقهم، والعالم المتحضر للأسف ما زالت خطواته بطيئة في التصدي لهذا التنظيم الإرهابي، فاجتثاثه يحتاج إلى جُهد دولي مشترك، للتعامل بجديّة وسرعة مع هذا الإرهاب والتطرف وأخطاره، فلم تعد الحروب الكلامية ضده تجدي نفعاً، أو تُحقق هدفاً.
والأردنيون كما غيرهم، فإنهم هذه الأيام رغم الأمن والأمان، والاستقرار الذي يعيشونه، وما يتمتع به وطننا من عافية، أصبحوا أكثر قلقاً عليه، جرّاء ما يجري حولنا، في ظل انتشار التطرف والإرهاب، وسعيه المتواصل للتمدد إلى أكثر من بلد، مُستغلاً حالة الفوضى التي تمرّ بها أمتنا العربية والإسلامية، وهذه التخوفات مشروعة ولها ما يبررها.
لكنْ، هل تُمثّل داعش خطراً على الأردن، ومكوناته الاجتماعية المختلفة، وخاصة على إخوتنا المسيحيين؟ إنّ لا أحد يُنكر خطر هذه الفئة الضالة، التي تتخذ من الدين عباءة لتغطية إرهابها، وجرائمها البشعة، التي خلفتها في العديد من الدول والدِّين منها براء، لكن الأردن قد تكون له خصوصية، تحول دون تمكين هذه القوى الظلامية من تنفيذ مخططاتها في وطننا، وبالتالي فإني أكاد أجزم وكلي اطمئنان وثقة، من أن لا خوف على الأردن، وإخوتنا المسيحيين فيه، أن يُصيبهم أيّ أذى لا سمح الله، كما أصاب إخوتنا المسيحيين على يد داعش في العراق وسوريا.
وعدم خوفي واطمئناني له ما يبرره، فجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله، أكّد أكثر من مرة، بأنّ أمننا لا يُمكن لأحد العبث فيه، وجلالته بحكم حنكته السياسية، وإدراكه لكل ما يدور ويجري حولنا، لا يمكن أن يجزم بمثل هذا الأمر، إلا إذا كان متأكداً، وعلى ثقة كبيرة بشعبه وأجهزتنا الأمنية وقواتنا المسلحة، وبالتالي فإنّ هذه التأكيدات تُعتبر الركيزة الأساسية في مبعث الاطمئنان بنفوسنا جميعاً، والأمر الثاني أن وحدتنا الوطنية وأمننا واستقرارنا، وحرصنا جميعاً على أمن الوطن، ويقظة أجهزتنا الأمنية وجاهزية قواتنا المسلحة، وقدرتها الكبيرة على التصدي لداعش وأمثالها، يَحول دون تجرؤ «الدواعش» على محاولة التوجّه إلى الأردن، أو حتى التفكير باختراق حدوده.
وما يُطمئنني أيضاً، أننا في الأردن على قلب رجل واحد، في الدفاع عن أمننا واستقرارنا، فلا مكان لمتآمر بيننا أو خوّان، كما أن اختلافنا شكّل على الدوام مصدر قوة لنا، ولا يَخفى على أحد كذلك، أنّ من أسباب قوتنا ومنعتنا، هي قيادتنا الهاشمية، ممثلة بجلالة الملك عبدالله الثاني، الذي نذر نفسه لخدمة وطنه وشعبه وقضايا أمّته، كما أنّ خطابنا في الأردن كان على الدوام، خطاباً جامعا، يُعظّم القواسم المشتركة بين مختلف الأديان، وكنّا على الدوام دعاة نشر ثقافة العيش المشترك، والمحبة والوئام، والعمل على تعزيز القيم الإنسانية، ونبذ ثقافة الكُره، فكنّا بذلك عنواناً لإخوةٍ إنسانية نفاخر بها، وبالتالي فإنه لا حواضن واقعية أو مؤثرة لداعش في الأردن كما يدّعي البعض، تمكنها في لحظة من اللحظات، العبثَ بأمن الوطن واستقراره، أو تمكنها من تنفيذ أجنداتها الخبيثة، بحقّ أيّ مكون من مكوناتنا الاجتماعية.
كما أنّ مصدر ثقتي وإيماني، بعدم المسّ بإخوتنا المسيحيين في الأردن، يبرره العيش المُشترك، الذي نُجسّده في بلدنا، مسيحيين ومسلمين قولاً وعملاً، والذي شكّل على الدوام نموذجاً في التآخي، وتعظيم القواسم المشتركة بين الطرفين، فكنّا عبر العقود الماضية، ولا نزال، أسرة واحدة، فجميعنا نعيش تحت راية القيادة الهاشمية إخوةً متحابين، لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات، لذلك لم نَشهد في الأردن أية حادثة أو مشكلة على أساس ديني، أو طائفي، وإن حدثت خلافات فإنها خلافات عادية، ليس للدين علاقة بها، كما أنّ عشائرنا مسلمين ومسيحيين، كانت بمثابة العشيرة الواحدة، منذ تأسيس الإمارة وما قبلها، وبالتالي فإن أيّ اعتداء على أي مسيحي، من قبل أي جهة إرهابية أو متطرفة، هو اعتداء على كل أردني، لا يُمكن القبول به أو السكوت عنه.
وفي إطار العلاقات الجامعة، بين مختلف مكونات الشعب الأردني، فإننا لم نكن يوماً من الأيام، نتحدّث بلغة طائفية بمجالسنا أو إعلامنا أو غيرهما، فقد عشنا جنباً إلى جنب، إخوةً متحابين، مصابنا واحدٌ وأفراحنا واحدة وأوجاعنا واحدة، تقاسمنا الهموم معا، وواجهنا التحديات معًا، وخُضنا معارك النضال معًا، من أجل عزّة الوطن وكرامتنا وشموخنا، وأصبحت مناسباتنا الاجتماعية والدينية واحدة، لم يكن الجار يُسائل عن جاره إن كان مسلما أو مسيحيا، كنا مكونا واحدا، لم نعرف اللغة الطائفية، خُضنا مسيحيين ومسلمين معركة بناء الوطن يدا بيد، تحت مظلّة قيادتنا الهاشمية، وانخرطنا جميعا للعمل في مختلف مؤسساتنا الوطنية، فلا أحد منّا ينسى الدور الكبير، الذي قام به الإخوة المسيحيون من أجل نهضة الأردن، وفي مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها، مَن منّا لا يعرف الأديب والباحث التربوي روكس بن زايد العزيزي؟ والأديب والفيلسوف والباحث في علوم الفلك أديب عباسي؟ والشاعر والكاتب والصحفي جورج حداد؟ والأديب عيسى الناعوري؟ والتربوي جريس هلسا؟ وغيرهم الكثير الكثير ممن تركوا إسهامات كبيرة في مختلف المجالات.
إنّ التخوّفات من داعش، التي بدأ يتحدّث عنها بعض الإخوة مسيحيي الأردن هذه الأيام، جرّاء ما أصاب إخوتهم في العراق وسوريا، وبسبب بعض التقارير التي تُحذّر من خطر داعش على الأردن، باعتقادي أنّه لا مبرر لها على الإطلاق، فحرص قيادتنا على أمن الوطن وأبنائه، والعلاقات القوية المتينة القائمة بيننا مسلمين ومسيحيين، تدفعان على الدوام لأن نكون صفا واحدا ضد أي اعتداء، وهنا وعندما أتحدث عن علاقات الأخوّة والمحبة بين المسلمين والمسيحيين، منذ بدايات القرن الماضي، كعنوان لقوتنا ووحدتنا ومصيرنا الواحد، فإنني استحضر قوة ومتانة العلاقات، التي كانت تربط جدّي المرحوم مثقال الفايز ووالدي المرحوم عاكف مثقال الفايز، مع مختلف شيوخ ووجهاء العشائر المسيحية في الأردن، وخصوصاً جيراننا في مأدبا واليادودة، الذين جمعهم همُّ الوطن، والحرص على أمنه واستقراره، والانتماء لترابه الطهور وقيادته الهاشمية المظفّرة، وقد استمرت قبيلتي كما استمرت كافة العشائر الأردنية، في الحرص على هذه الروابط الأخوية القائمة بين أبناء الأسرة الأردنية الكبيرة، مسلميها ومسيحييها.
والآن وحتى نفوّت الفرصة على أيّ متآمر، على إخوتنا المسيحيين أو بلدنا وأولادنا، فإنّ واجبنا جميعا، أن نتوحّد خلف مساعي قائدنا جلالة الملك عبدالله الثاني، الرامية إلى حماية الأردن من خطر الإرهاب، وأن نُمتِّن جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية، ليعلم جميع الإرهابيين أينما تواجدوا، أنّ الأردن عصي عليهم، وأنّ الأردن مسيحيين ومسلمين إخوةٌ، لا يُمكن لأيّ أحد المسّ بأخوّتهم ووحدتهم، وليعلم الجميع أيضا أننا في خندق واحد، لمواجهة داعش والإرهاب والتطرف أيّا كان مصدره ودينه وجنسه، فلن نُؤخَذ ويُؤخَذ وطننا بالخوف والرعب، فما داعش إلا وهمٌ إن توحّدنا بَددناه.
رئيس الوزراء الاسبق
(نقلاًً عن الدستور)