11-09-2014 10:27 AM
سرايا - سرايا - يعد الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم الشهير بـ"ود المكي" أحد أبرز شعراء ستينيات القرن المنصرم، وهو رائد من رواد القصيدة العربية الثورية في العصر الحديث، إذ خلّد في قصائده "الأكتوبرية" ثورة 21 أكتوبر 1964 التي أطاحت بالجنرال إبراهيم عبود في السودان.
ولآراء ومواقف الشاعر "ود المكي" السياسية قراءات مختلفة وتباينات نقدية في سبر غورها كدبلوماسي وشاعر وداعية حرية، وقد استضافه مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي في جلسة حوارية وشعرية ضمن فعاليات معرض الخرطوم الدولي للكتاب في دورته العاشرة.
كان السؤال الأول صريحا وصادما بشأن الجهة التي دعته كضيف شرف لمعرض هذا العام، فقد نفى "ود المكي" بشدة حضوره بدعوة حكومية، علما أن دوائر حكومية منظمة للمعرض أعلنت صراحة حضور الشاعر ضيف شرف.
وبشأن علاقته بمؤتمر الحوار الذي أطلقته الحكومة السودانية مؤخرا، أشار محمد المكي إلى أهمية محافظة المجتمع المدني على استقلاله بعيدا عن سيطرة الحكومات. وكان قد تم الإعلان عن ندوة بعنوان "مرتكزات الحوار الثقافي" ضمن فعاليات المعرض بمشاركة الشاعر "ود المكي" إلا أنها ألغيت دون إبداء أسباب.
مؤرخ للمعاناة
يقول محمد المكي إبراهيم صاحب ديوان "أمتي" "أنا مؤرخ معاناة الشعب السوداني وضمن قلة قليلة تعرف متى بدأت هذه المعاناة، ومثل الجميع لا أدري متى تضع أوزارها".
وكان المتحدث قد استقال من عمله بالسلك الدبلوماسي السوداني بعد تعيينه في المجلس الوطني الانتقالي في تسعينيات القرن الماضي عقب استيلاء "الإنقاذ" على السلطة. وفي هذا الموضوع ذكر "ود المكي" في الندوة أنه قد استقال لأسباب خاصة.
وفي سؤال بشأن مقولته إن الشعر يكتب في مرحلة الشباب، أكد المكي أن الشعر يرتبط بمرحلة الفتوة، وأن أعذب الشعر هو ذاك الذي يأتي في سنوات النضوج في الأربعين والخمسين، ويكون رزينا ومملوءا بالحياة، وتعقبها سنوات الشعر المتأمل والفلسفي الذي يلخص تجربة الشاعر في الحياة.
مصطفى الصاوي: "ود المكي" أحد أكبر شعراء الوطن العربي (الجزيرة)
وعي شعري
تضاربت أسئلة رواد الندوة في وعيهم بتجربة الشاعر الكبيرة وملامحها، وكان الخطاب تجاه الشاعر يمضي في نظرة ارتياب حول أسباب عودته واقترانها بالفعل السياسي.
وتحسر "ود المكي" على انفصال الجنوب، قائلا "أنا أتألم عندما أنظر إلى الخارطة الجديدة للسودان".
ويعتبر الشاعر ود المكي أحد مفكري مدرسة الغابة والصحراء التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي، ودعت صراحة إلى وحدة طوعية بين صحراء الشمال وغابة الجنوب على أسس ثقافية واجتماعية وفق مبدأ الاندماج العرقي والتوافق الثقافي، ومن رواد هذه الدعوة الشاعران الراحلان النور عثمان أبكر والدكتور محمد عبد الحي.
ويقول أستاذ النقد بالجامعات السودانية الدكتور مصطفى الصاوي للجزيرة نت إن الشاعر "ود المكي" يعتبر أحد أبرز أصوات الشعر السوداني، وقد ظهر في فترة الستينيات المليئة بالتغييرات الفكرية والسياسية في السودان وخارجه.
وأضاف الدكتور الصاوي أن ما ذكره الشاعر حول تجربته يضعه في مصاف كبار الشعراء في الوطن العربي، وهو يعبر عن جيل كامل واجه مصاعب عديدة وتغلب عليها بروحه الوثابة.
من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصرْ
من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدةَ والسيرْ
من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياةِ القادمةْ
جيل العطاءِ المستجيش ضراوة ومصادمةْ
المستميتِ على المبادئ مؤمنا
المشرئب إلى السماء لينتقي صدر السماءِ لشعبنا
جيلي أنا...
من جهته، قال الناقد عامر محمد أحمد إن الشاعر محمد المكي إبراهيم قد أسهم في نقل الشعر السوداني في الستينيات من الهتافية الشعرية إلى المفردة الإنسانية الأرحب والأجمل. وأضاف أن تجربة ود المكي وشعريته المتمكنة يجب ألا توضع في خانة عمله كسفير، فهو مبدع كبير لا يضره شيء إن قرأت تجربته الشعرية في ظلال السياسة.