15-09-2014 10:16 AM
سرايا - سرايا - شذرات من علم الاجتماع، واتجاهات الوعي الجمعي، والنحو تجاه "التابع"، والتعريج على مدرسة التبعية بحفريات معرفية لا تغفل وقائع جنوبية/"عالمثالثية" كثيرة، مع وقفة طالت عند الأنا، والأنا المُستدخلة. كل هذا -وربما أبعد- يواجهك طوال انشغال الذهن بقراءة تشكيلات نفسية واجتماعية سُميت "القسم 14"، وهي الرواية الثانية بعد "رام الله الشقراء" للروائي الفلسطيني الشاب عبّاد يحيى، الصادرة مؤخرا عن المركز الثقافي العربي.
يسلط يحيى الضوء على جانب من الحالة العسكرية في جنوب العالم المتخم بالقواعد الغربية، انطلاقا من معسكر للجنود العائدين من التدريب في الخارج، يحوي قسما للترفيه عن القوات المسلحة بكل أشكاله، ويُكلَّف بإدارته عقيد وطني من زمن مختلف.
وتمضي الرواية في تتبع إدارة العقيد المعسكر، وموقعه من المنظومة العسكرية الآخذة بالتشكل، وسط تصادم هواجسه النفسية بأوامر "اللجنة المشتركة لتدريب القوات المسلحة وقوى الأمن".
العقيد، أو انفعالات العقيد، وشهاداته على ما عاصر في ثكنته، هو الشريط الذي يحبكه يحيى في نصه الروائي، مقدما تنويعا تقنيا متوازنا بين التوثيق والنقد والسرد، وممطرا القارئ بسلسلة هوامش مرفقة لأجزاء النص تجد لزعمه السردي ما يبرره معلوماتيا.
البحث عن الذات
ويأتي هذا العمل تأصيلا لمقولة جوهرية ينشغل بها علم اجتماع الحروب والنزاعات، متعلقة بتداخل حيوات المدنيين والعسكر، وشكل العلاقات المتولدة من الزواج القسري بين هذين الضدين.
كما يتطرق النص إلى تجربة التدخل البنيوي الذي يمارسه شرطي العالم -الولايات المتحدة الأميركية- في إعادة تشكيل أرواح "بلطجيته" في غير ناحية من العالم.
ويحيى في نصه الذي ينتقل انتقالات واعية ومدهشة، يتركك حائرا أمام مدى استطاعة المرء الاستغناء عن "الأوامر"، وأمام ما قد يبدو عليه العالم دونها.
"سيقف القارئ مع النص متسائلا عن ذاته، باحثا عنها ضمن شخصيات الرواية، وربما موقع بلده، أو الديكتاتورية الأجدر في أن تقفز إلى الذاكرة عند قراءة النص"
وسيقف القارئ مع النص متسائلا عن ذاته، باحثا عنها ضمن شخصيات الرواية، وربما موقع بلده، أو الديكتاتورية الأجدر في أن تقفز إلى الذاكرة عند قراءة النص.
إذ يمكن سحب ما يرد في الرواية على أكثر من سياق وبيئة ودولة، بكل ما يقدم من شهادات وهوامش للعقيد المتأرجح بين ضرورات تشكيل أرواح عساكره وولاءاتهم، وبين سطوة ذهنية بإحالات جنسية وخيالات تكاد لا تتوقف لديه، وهو مسؤول الثكنة العسكرية التي تدور فيها الأحداث، والمسؤول أيضا عن عساكره، الخاضعين لقواعد وتوجيهات صارمة يوجهها مهندسو أرواحهم الجدد من مفتولي عضلات مشاة البحرية الأميركية.
وللمرأة نصيب دائم لدى يحيى، وباستحضار عمله الأول "رام الله الشقراء"، نتذكر الحوار "الفيسبوكي" الطويل معها، والذي بنى نصه متكئاً عليه.
أما في حالة "القسم 14"، فللمرأة صور عدة، وتحمل إحالات لا تتكرر بقدر ما هي تنويعات على الخيالات نحوها وعنها، خاصة في بيئة تحوي إشكاليات في الملامح، وهي مشغولة بالذكورة والفحولة المتضخمتين.
والمتتبع لمنجز يحيى الروائي يمكنه تلمس نقلة في ما يقدمه مضمونا وأسلوبا، فبينما كان عمله الروائي الأول فلسطينيا بامتياز، وينطلق من فلسطين إلى الحالة العربية، فإن هذا العمل جنوبي، لا يبتعد عن أي أرض وطأتها أقدام عساكر الآخرين ومستشاريهم، ويفسح للتأويل مساحات تتسع بالعمل ولا تحدّه.