20-09-2014 10:47 AM
سرايا - سرايا - الكاتب والمسرحي الإيطالي الحائز على جائزة نوبل داريو فو (سانجانو-1926) يكرس وقته الآن للغناء والرسم، كما كانت تفعل لوكريثيا بورجا بطلة عمله "ابنة البابا"، التي يرى أنها كانت ضحية لفساد وطموح عائلتها التي استخدمتها كامرأة-شيء.
يجلس فو في بيته بابتسامة لم تفارقه منذ كان طفلاً، رغم تعرضه لكثير من الأزمات في شبابه خاصةً في فترة موسوليني، وظل مهندساً معمارياً وكاتباً مسرحياً وناقداً فنياً، حتى فاز بنوبل عام 1997. يتمسك بابتسامته رغم أن نصفه الآخر رحلت عن الحياة العام الماضي، السيدة فرانكا رامي، التي كانت رفيقته في الحياة والفن منذ أكثر من 60 عاماً، وكانت بصيرته المصانة.
يتميز فو بالهدوء، بعدم تسرعه في الإجابات، لأنه يصنع إيقاعه الخاص مهما كان الحاضر يصيب بالدوار. يبدأ كل إجابة بأصل كل شيء، يصنع منها قصة صغيرة ببداية ونهاية. إنه حكاء متجول. حكاء بدأ حياته بالرسم ثم ظهرت الكتابة. ابن عامل بالسكة الحديد يؤمن بالشيوعية، وأم ربة منزل كانت تتمنى أن تكون رسامة.
* تفتتح "ابنة البابا" بعبارة لمكيافيللي، الذي كان معاصراً لـ لوكريثيا:"الرجال ليسوا بسطاء جداً، حتى أنهم يطيعون متطلبات اللحظة وكلما أراد أحدهم أن يخدع سيجد دائماً من هو مستعد للاستسلام للخداع". أهي حقيقة؟
- الحقائق ليست مطلقة أبداً، لأن نفس الحقيقة تحمل بداخلها ما يدحضها ويعارضها. مكيافيللي يقول إن الشعب الذي يدافع عن نفسه بنفسه ولا يحتاج لأسلحة أجنبية تدافع عنه شعب حر. غير أنه برهن مع الوقت أن امتلاك السلاح الخاص ليس كافياً لتحقيق الحرية.
* متى فكرت في استخدام هذه العبارة كتصدير؟
- في منتصف عملية الكتابة. أنا أحد المتعصبين لمكيافيللي، حتى أنني أحفظ بالذاكرة الكثير من عباراته الشهيرة. وفي هذه الرواية كان رئيسياً العودة لقراءة أفكاره حول الجمهورية والحريات الأوروبية.
* لوكريثيا مثال لكيف يمكن للتشهير والشائعات وكتم المعلومات أن يغير صورة شخص، وكيف يتضخم الخطأ مع مرور الوقت.
- نعم، خاصةً أنه في القرن الأخير تم تدمير البعد الإنساني.
*ولماذا هذا التشويه في آخر مئة عام؟
-لأن في آخر مئة عام بدأ نوع من البحث غير الرحيم وعدم السيطرة التاريخية، دون أي صرامة، على تصريحات وتوثيقات غير مسؤولة. على سبيل المثال، زوج لوكريثيا أشاع أن زوجته ترتبط بعلاقة بأخيها قيصر وأبيها. وأناس كثيرون اهتموا بالحكاية. حتى جون فورد قال:"من المؤسف أن تكون عاهرة".
* لوكريثيا تذكرنا بنساء أخريات عاملهن التاريخ بشكل سيء بطريقة أو بأخرى، منذ كليوباترا حتى أنا بولينا، مروراً بمريم المجدلية وأخريات في التاريخ الحديث والعديدات في الحياة العامة.
- هذا منتج من منتوجات الأدب، فالمرأة العاهرة أهم من المرأة النقية من الفضائح. ونحن لم نصنع هذه الحكاية لأن المؤامرات تروق لنا، بل لأنها قصص شيقة ونرى أنها كتبت كثيراً. بالإضافة، ثمة حلقات تليفزيونية ومسلسلات أكدت على هذه الأشياء، بل وحققت نجاحات كبيرة مع الناس.
* أصيبت مصر قديماً بالآفات السبع.. فما آفات العالم الحديث برأيك؟
المصريون قديماً حكموا اليهود، حينها أرسل الله عليهم الآفات السبع، وكان الانتقام أصل كل شيء، لكن ثمة مفارقة..الآفات استهدفت الثراء، استهدفت النظافة الأخلاقية، الفساد...هي نفس الآفات الرئيسية في العصر الحديث. المسألة التي تبدو شبيهة أكثر بالآفات السبع هي حدث كيف نتجت، كيف وصلت، لأن ثمة علماء حتى الآن يبحثون ويتجادلون كمجانين محاولين العثور على السبب.. لماذا تعاني المجتمعات وسط كل هذه الصعوبات. من الذي اخترع طريقة تدمير الاقتصاد الإسباني واليوناني؟ البنوك التي لا تعرف الرحمة، أم السلطة الاقتصادية الدولية، أم عمليات النصب بالبنوك. في الواقع، لا أحد يعرف من المسؤول. يقولون "المال". وكما يقول البابا "هذا العطش للامتلاك، للإدخار، لسحق الآخرين، لإخضاعهم". هناك كذلك القانون الثابت: الفساد، حدث أن توجد طبقة مهيمنة لا تدفع الضرائب، مع ذلك يدفعها الفقراء. لكن فوق كل ذلك، هناك الرغبة في نشر الجهل بين كل الناس. يحاولون منح الحد الأدنى من الثقافة لأن بهذه الطريقة يسهل عليهم السيطرة، فالثقافة شيء حقيقي، والثقافة تجنب العنف، تهمشه، تجعل الإنسان أكثر منطقية وأخلاقاً، وتمنحه ضميراً اجتماعياً. لكن الشيء الوحيد المتاح الآن أن تجري على متطلبات الحياة.