27-09-2014 10:32 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
ليس من مصلحة احد أن تظهر السلطة التشريعية بتلك الصورة التي ظهرت عليها خلال الأيام والأسابيع الماضية مطلقاً، فالحملة غير المسبوقه التي تعرض لها مجلس ألامه بشقيه- الأعيان والنواب، وان كانت على مجلس النواب تحديداً أقوى وأكثر جراءة وقسوة، ذلك أننا كبشر بطبيعتنا نميل للاستسهال في الاتهام والنقد خاصة أذا توافقت رغباتنا مع الاتجاه العام السائد بالهجوم على النواب بالإضافة لدور الإعلام وسلطته الرابعة وكل الباحثين عن امتيازات مالية وحقوق، وكان واضحا أن الغالبية تسعى لتحميل النواب المسؤولية عن جزء كبير مما يعتقدون أنها حقوق لهم ولم يحصلوا عليها!!، علما بأنه لم يمضي عامين من عمر مجلسهم العتيد، ولم يبقى لدى البعض إلا تحميلهم مسؤولية خراب مالطا!!.
من الطبيعي أن نفهم ونبرر الغضبة الشعبية على مشروع قانون التقاعد المدني والامتيازات التي سعى النواب أو بعضهم للحصول عليها وخاصة في ظل الظرف الاقتصادي المعقد والظرف الإقليمي الأكثر تعقيداً، لكن كل هذا لا يبرر الإساءة والمس من قيمة وأهمية السلطة التشريعية والتي من المفترض أنها تعبر عن الناس وتمثلهم دستوريا، بالإضافة لكونها واحدة من اذرع الدولة الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ولعل سلامة النظام العام والاستقرار السياسي لا يتأتى ألا من خلال التوازن الدقيق بين تلك المكونات الثلاث وعدم تغول احدهما على الأخرى، وعدم الإساءة لأي منها، وان لا تخضع أي من السلطتين لتدخلات السلطة التنفيذية، لا بل أن مسؤولية السلطة التنفيذية مضاعفه كونها المعنية بإنفاذ القوانين وأن تكون حريصة أيضا على هيبة مجلس الأمة بشقيه!!.
في هذا الصدد يمكن التوقف عند الرد الملكي ومن جلالة الملك مباشرة وخلال الاجتماع الأخير مع العديد من الفعاليات الوطنية وفي إشارة واضحة بعدم السماح للإساءة للمجلس وأعضاءه، ورد القانون وأحالته للمحكمة الدستورية وسؤالها في مدى دستوريته، فالاحتكام للدستور هو أسمى مراتب الديمقراطية في العالم.
ربما من المناسب إعادة تعريف دور النائب ومسؤولياته، وان يعاد تعريف التفويض الذي يمنحه الناخب للنائب، وحدود هذا التفويض، فالسائد الآن هو أن من يمنحك صوته باليمين ينتظر المقابل الشخصي بالشمال في صورة تتنافى مطلقا مع دور النائب وواجباته ومسؤولياته التي حددها الدستور، فمهمة ودور النائب تنحصر في مهمتين اثنتين وهما التشريع وتتجلى بوضوح في ألا يتم إصدار أي قانون أو إجراء أي تعديل علي مواد أي قانون ألا بعد موافقة البرلمان ولا تتم هذه الموافقة ألا بعد الدراسة و البحث من خلال اللجان المختصة، وهنا يأتي دور النائب فلابد أن يكون قادر علي دراسة و بحث ما يعرض عليه من قوانين أو تعديلات في مواد قوانين قائمه بالفعل، والرقابة ثانياً كون البرلمان هو الرقيب الأعلى علي أداء الحكومة و يستعين بما يرد له من تقارير من الجهات الرقابية مثل ديوان المحاسبة وديوان المظالم ومكافحة الفساد.
لا يمكن الاعتراض على حق الناس في رفض تلك الامتيازات المطلوبة فهم الأساس دائما والاستجابة لخياراتهم واجب، ولا يمكن قبول سعي النواب والأعيان والوزراء على تحسين أوضاعهم مستغلين الحصانة والحيثية التمثيلية التي يملكونها،على حساب بقية أفراد الشعب، ولكن أيضا كان على المحتجين ووسائل الأعلام والقوى السياسية والاجتماعية الذين انتفضوا واشبعوا النواب اتهاماً ونقداً، أن يطالبوا بقانون انتخاب عصري يكون مدخلا حقيقيا للإصلاح، ويحصن السلطة التشريعية ويحدد دورها الحقيقي في التشريع والرقابة، على أن هيبة النائب هي في المحصلة من هيبة ناخبيه والتي لا يمكن الحديث عنها دون قانون انتخاب حديث، وبنفس الوقت ولا يمكن أن نتحدث عن الإصلاح ونقبل تلك الصورة التي تشكلت عن ممثلينا خلال الأيام الماضية واعتبارهم الحلقة الأضعف!!.