07-10-2014 12:10 PM
سرايا - سرايا - يرتدي الحفارون ملابس بلاستيكية واقية ويستخدمون مصباحاً صغيراً لتسليط الضوء على بقعة محددة في الأرض ثم يزيلون التراب بأيديهم العارية. يبدو الحفّارون وكأنهم يبحثون بلهفة عن شيء ما. ويبدو المكان كأن حفريات آثارية أو جنائية تجرى فيه ولكن الواقع انه عرض عنوانه "حدائق تتكلم" Gardens Speak وهو عمل صوتي للفنانة السورية تانيا الخوري يُفتتح في مدينة برمنغهام في 2 تشرين الأول/اكتوبر.
"حدائق تتكلم" عمل لا يكشف عن شظايا من العظام بل شظايا قصص. فهو التاريخ المنقول شفهياً لسوريين وسوريات لم يُدفنوا في مقابر عامة مثل سائر البشر بل في الحدائق الخلفية لمواطنين سوريين اعتياديين. وهؤلاء الأشخاص حقاً يخاطبوننا من قبورهم.
تقول الخوري ان قصص هؤلاء السوريين "تذكرنا بأن ما يجري في سوريا بدأ انتفاضة ضد نظام قمعي اشعلها بسطاء يحلمون بمستقبل مختلف" مضيفة ان كثيرا من السوريين قاوموا اسلمة النزاع وعسكرته.
وأعربت الخوري عن الأمل بأن سرد حكايات هؤلاء السوريين يعيد التذكير بأن هناك بشرا في المعمعة قائلة "ان الأصوات الصغيرة ، ان الأصوات الانسانية الفردية هي التي تضيع خلال الأحداث التاريخية الكبيرة". وأكدت ان هذه التواريخ الفردية ليست جزءًا من السرديات الجيوسياسية الكبرى التي تُشاهد وتُغطى اعلاميا في الغرب بل هي "التاريخ الأسفل ، التاريخ الذي نادرا ما يُحكى".
تانيا الخوري فنانة وناشطة نسوية تتنقل بين لندن وبيروت عملها يركز باستمرار على تحدي تصورات الغرب وسردياته عن العالم العربي. ومن اعمالها اللافتة عرض "جريدة" الذي يُقدَّم في مكان عام حيث يُطلب من الجمهور أن يشيروا الى الشخص الأكثر إثارة للشبهة وفق معايير أُدرجت في تقرير لشرطة اسكتلند يارد.
ويعكس عرض "حدائق تتكلم" اهتمام الخوري المتزايد بالتواريخ الشفهية. وكانت الفنانة انتبهت أول مرة الى ظاهرة دفن الموتى في حدائق البيوت السورية بعد ان رأت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة أُم تحفر في حديقة بيتها الخلفية قبراً لدفن ابنها الذي قُتل في الانتفاضة. ثم أوصلتها تحرياتها الى قصص عديدة لمثل هذه العمليات السرية في دفن الموتى.
وقالت الخوري لصحيفة الغارديان ان دفن الموتى بهذه الطريقة "كثيرا ما يكون عملا من أعمال المقاومة" مشيرة الى ان الجنائز في سوريا تؤدي في احيان كثيرة الى مزيد من الجنائز بسبب قصف المقابر اثناء مراسم الدفن وفي بعض الأحيان يُطلب من ذوي الميت ان يوقعوا قبل دفنه وثائق تبرئ نظام الأسد من المسؤولية عن موت فقيدهم. واقتبست الخوري وولتر بنجامين حين يقول "حتى الموتى لن يكونوا بمأمن من العدو إذا انتصر".
"حدائق تتلكم"عمل فني يعيد الى مَنْ أُسكتوا صوتهم ويوفر شاهداً لمن يبقى مكان دفنهم في أحيان كثيرة بلا علامة أو أثر.
في عمل الخوري الذي يحتاج الى 4 أطنان من التراب في موقع العرض يُقاد الجمهور الى قبر حيث يتعين عليهم ان يحفروا ترابه لإخراج وسادة تحوي ملفاً صوتيا ثم يتمددون ورؤوسهم على الوسادة لسماع قصة. وبُنيت القصص بناء دقيقاً بالتحدث مع عائلة الميت واصدقائه واستخدام يوميات ورسائل ومواد من يوتيوب.
أوضحت الخوري ان العمل "خبرة مجسدة لا يكون الجمهور سلبياً فيها بل يُطلب منهم التفاعل جسدياً وسياسياً وعاطفياً. وعليهم توسيخ أيديهم بالمعنى الحرفي للكلمة من اجل اكتشاف القصة والقيام بمجهود من أجل اكتشاف الحقيقة". وأكدت ان لهذا أهميته في سوريا حيث يُمارى في ما يجري. ولفتت الخوري بصفة خاصة الى وضع آذان الجمهور ملتصقة بالأرض وسماع قصص اشخاص عادة لا تُسجل ولا تُسمع قصصهم.