11-10-2014 09:02 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
قرأتُ يوما في ريعان الشباب(المرحلة الإعدادية) قصيدة كان مطلعها بيتا من الشعر العربي لا أتذكر قائله، لكنه هذا البيت حفر أخاديدَ في وجداني، ويطفو على سطح أيامي في كلِّ حين، ألا وهو: ثوبُ النفاق يشفُّ عما تحته فإذا التحفت به فإنك عاري, حاولت وقتها منطلقا من هذا البيت, مشاهدة أناس عراه تسير في الشوارع, أو في الأسواق, أو في المجالس, أو حتى في أي مكان آخر يتجمع فيه الناس, حاولت ذلك, كي أضعهم في قائمة المنافقين, وأكون قد انتصرت للشاعر العربي الذي عرى تماما المنافق في قصيدته, لكن بصراحة لم أجد واقع للتعري في أي مكان, ولحب اطلاعي وصل إلى حدود ثقافي البريئة في هذا السن المبكر, ولا تنسوا أنني كنت في المرحلة الإعدادية, وصل لي أن هناك وعلى كوكب الأرض مدينة أوروبية, تسمى مدينة العراة, وتساءلت حينها هل جميع سكان هذه المدينة منافقون؟
كانت المفاجئة الكبيرة لي, عندما دخل معلم التربية الإسلامية(سالم), وطلب من احد الطلاب إحضار طبشورة باللون الأحمر, وعندما جاءته هذه الطبشورة, كتب في أعلى منتصف السبورة, كتب وبخط النسخ كلمة (النفاق) كعنوان رئيس للدرس, ووضع أسفل منها سؤالا محيرا كان يدور حول, ما أية المنافق؟ رفعت يدي متحفزا للإجابة عن السؤال كوني من المهتمين بهذا الجانب, قال المعلم لي اجب, قلت: المنافق هو الشخص (العاري), ...تبسم المعلم ضاحكا وقال لي بصوت هادئ أحسنت مع أن إجابتك غريبة , وقال باختصار شديد: أية المنافق يا أبنائي ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد اخلف, وإذا اؤتمن خان, وأردف قائلا : نعم يا بني الشخص الذي يكذب في حديثه هو شخص عاري, والشخص الذي يخلف وعوده هو شخص عاري, و الشخص الذي يخون أمانته, هو شخص عاري أيضا.
وأضاف المعلم(سالم) لنا قائلا: لقد نزلت سورة كاملة بأحوال وصفات هؤلاء الأشخاص, هي سورة المنافقون, وقد عراهم القرآن الكريم في أكثر من أية وسورة, فمثّل القرآن الكريم المؤمنين بتمثيل واحد هو(الزرع...), ومثّل الكافرين بتمثيل واحد هو(النعيق...), في حين أن القرآن الكريم مثّل المنافقين بثلاثة تمثيلات هي(التاجر...,ومستوقد النار..., والمطر الشديد...)وما ذلك التعدد لتمثيل المنافقين إلا لان أمرهم فيه من الخفاء والمكر والتلون ما يشيبُ له الولدان, فالمؤمن واضح بإيمانه, والكافر واضح بكفره, لكن المنافق غير واضح, فهو كأفعى تتلوى بين المؤمن والكافر,هذه الأفعى تحتاج إلى البصر والتبصر والبصيرة لاكتشافها.
...بكل صراحة (الوطن) كل الوطن بحاجة ماسة إلى رجال أمناء صادقين, بحاجة إلى رجال يقولوا الحق في زمن الرياء, والى رجال يقولوا الصدق في دنيا (النفاق) والخداع, وهم على فكرة كثر في هذا الوطن, لكن نحتاج إلى شيء من التروي والتأني والتبين والبحث الدقيق عنهم عند لحظة الاختيار, وهي أصعب اللحظات, واعتقد أننا نعيش هذه الأيام لحظة الاختيار,...فإذا التحفنا بغير هؤلاء الأقوياء والأمناء فنحن بحق (عراة), فقد ضاعت سابقا البوصلة شيء ما من نفاق البعض, ويكفينا ذلك, ونقول نعم ما زال شيء من الوقت لتعرية هؤلاء القلة, فلباسهم من النوع الخفيف, وما زال أيضا شيء من الوقت لاختيار الأقوياء والأمناء, مؤكدين قول الشاعر العربي: ثوبُ النفاق يشفُّ عما تحته فإذا التحفت به فإنك عاري,...ونقول نحن, وما التعري إلا تعري عن منظومة القيم, وهنا بيت القصيد.