12-10-2014 09:41 AM
سرايا - سرايا - كان يعيش في إحدى قرى إسبانيا رجل هزيل الجسم شاحب اللون في الخمسينات من عمره، لم يكن لدى الرجل الكثير ليفعله، لذا فقد كان يمضي وقته في القراءة. وكان ضوء الشمعة الشاحب يملأ زوايا غرفته مشكّلا صورا واخيلة شبحية لعمالقة وتنّينات ضخمة. كانت الكتب التي أدمن دون كيشوت على قراءتها تتحدّث عن فرسان العصور الخوالي الذين كانوا يجوبون الأرياف والقرى بحثا عن مغامرة هنا أو هناك، كان الأفق ينفتح أمامه كأنّما يدعوه للشروع هو الآخر في مغامرة.
كان يعرف أنه هو نفسه يجب أن يصبح فارسا، فبدأ الترحال بحثا عن المغامرات التي يحلم بها. وفي محاولة لتفخيم نفسه كما يفعل الفرسان فقد أسمى نفسه: دون كيشوت دي لا مانش.
رواية دون كيشوت للكاتب الإسباني ميغيل دي سرفانتيس اعتبرت على الدوام واحدة من افضل الروايات شعبية ورواجا في العالم، وجسّدت الرواية في اكثر من عمل سينمائي، لكن الأفلام المستقاة من الرواية لم تنصفها. ذلك أن تعقيد الشخصيات فيها والقصص العجيبة التي تزخر بها لا يمكن أن يحيط بها عمل سينمائي مهما بلغت درجة حرفيّته وتمكّنه.
كانت الرواية مصدر الهام للكثير من الأعمال الفنية، من اللوحات التشكيلية إلى المسرحيات والمقطوعات الموسيقية. والفنان الإسباني بابلو بيكاسو رسم مواطنه دونكيشوت «أو دون كيخوته كما ُينطق اسمه بالإسبانية»، ولكن على طريقته الخاصة. وأول ما يلفت النظر في لوحة بيكاسو هو الطابع الكاريكاتوري الواضح الذي أضفاه الفنان على شخصية دونكيشوت. إذ اكتفى باستخدام اللونين الأبيض والاسود، وهو ملمح يتناقض كليّة مع أسلوب بيكاسو الذي تضجّ لوحاته عادة بالألوان وتدرّجاتها المختلفة.
وكما في الرواية، يبدو دونكيشوت هنا بسيطا وعفويا لكنه مستعدّ للقتال وركوب المخاطر، وهو وتابعه سانشو يقفان تحت شمس تعطي انطباعا بالتوهّج والحرارة، رغم أن بيكاسو رسم الشمس على هيئة دائرة صغيرة تحيط بها خطوط سوداء، واللوحة تدفع الناظر إلى الابتسام وتشيع جوا من المرح الممزوج بالسخرية، ولعلّ هذا ما كان يقصده بيكاسو، إذ اللوحة كما يبدو تختصر رؤيته الخاصّة لبطل رواية سرفانتيس