12-10-2014 09:45 AM
سرايا - سرايا - تتأتى أهمية الفيلم الروائي الطويل (حمى) للمخرج المغربي هشام عيوش الذي أختير للتنافس على جائزة اللؤلؤة السوداء في مسابقة مهرجان ابوظبي السينمائي في دورته المقبلة هذا الشهر، من سرديته الفطنة في اشتباكها مع أحوال أفراد وجماعات لشريحة من المهاجرين وما يحيط بهم من تفكك وضياع وعزلة.
تتمحور أحداث الفيلم وهو العمل الثالث في مسيرة مخرجه عقب انجازه لفيلمه الثاني المعنون «شقوق» العام 2009، حول صبي مضطرب السلوك ويواجه صعوبات وعقبات في اندماجه داخل البيئته الفرنسية، حيث يصطحبه والده المغربي الذي انفصل عن والدة الطفل الفرنسية التي تمضي عقوبة في السجن جراء سلوكياتها المدمرة، لالحاقه ببيت والديه العجوزين بديلا عن ملجأ الاطفال المشردين.
يكشف الفيلم عن هشاشة في العلاقات بين افراد الأسرة، حيث لا يتواصل الصبي معهم الا بالصخب والفوضى والعنف والقسوة، كما ينعكس ايضا على سلوكه الجامح تجاه الجيران ايضا.
يصوغ الفيلم الذي انجز في إطار الإنتاج الفرنسي- المغربي المشترك، احداثه في قالب من الصور التي تعاين بلغة سينمائية لافتة، احاسيس ومشاعر انسانية متضادة، فهناك الصبي الدائم البحث عن افق ارحب للعيش، وجده الذي ينتابه حنين العودة الى وطنه الاصلي بعيدا عن برودة العواطف واجواء الوحدة والقتامة التي فرضتها شروط الحياة في المهجر.
راعى المخرج عيوش تقديم تلك الصور بتكوينات بصرية مليئة بالاشارات والدلالات البليغة، لإظهار ميول الصبي الصادمة لباقي افراد الاسرة والمقربين منه، فضلا عن حاجة شخصيات الفيلم الى التعاضد امام مصائرهم التي تعاني من الانكسار والتهميش والضياع فضلا عما تظهر عليه صورة الطفل من تمرد وانفعال.
لجأ عيوش بفيلمه (حمى)، الذي ينحاز دوما بافلامه القصيرة والطويلة على معاناة البسطاء من المهاجرين والمنبوذبن في المجتمع، الى تعميم شخصياته لتشمل باقي شرائح المهاجرين، حيث لا يقتصر تصوير على ابناء جلدته منهم، بل يتعداهم الى تقديم شخصية المهاجر الافريقي الذي يسكن في كرافان خاص به على اطراف البلدة بمعزل عن الاخرين وعن سماع اخبار وطنه الاصلي الذي تعصف به الكوارث والحروب.
نماذج عديدة من الشخصيات التي تجهد كاميرا عيوش في تحليل دواخلها بدءا من المهاجر الافريقي المضطرب، الذي يجد الصبي لديه فضاءا للترفيه والسلوى، بعيدا عن اجواء اسرته وما تبدو عليه شخصية والده الشديد الاكتئاب والصامت دائما، لكنه لا يلبث ان يصبح عنيفا، والذي يواجه مصيرا قاتما، وهناك شخصية الجد الدائم الحلم بالعودة الى الاستقرار في المغرب، ومرورا بالهيئة التي تظهر فيها شخصية جدة الصبي التي كدها تعب المنزل والعناية بافراده ومزاجهم الصعب، وصولا الى اقران الصبي من العائلات المهاجرة وسلوكياتهم الطائشة المجبولة بالشدة والعنف والرعونة.
برع المخرج في توظيف موسيقى معبرة عن مناخات ودلالات الفيلم، مثلما اعتنى على نحو دقيق بادارة طاقم ممثليه وأدائهم التعبيري اللافت، واحسن في اختيار اماكن تصوير أحداثه التي تفيض بالعديد من اللقيات الشاعرية الدافئة، رغم سوداوية الأحداث وحواراته المستمدة من مفردات الاحياء الشعبية المهمشة.
بمحدودية شخصياته يختزل عيوش بحيوية وبلاغة وتشويق، الوانا من العيش الانساني بعيدا عن التوغل والتعقيدات التي تنبش في صيرورة التفكير والخطاب الجمالي المعتاد في افلام الهجرة، الا انه يتخطاها بعنفوان وارادة وحمى البحث عن تلك الجروح الكامنة في دواخل الفرد الراغب في مغادرة بؤس عالمه صوب عزلة أخرى!