15-10-2014 01:24 PM
سرايا - سرايا - عُرضت على مسرح هاني صنوبر، في المركز الثقافي الملكي، أول من أمس مسرحية»مكعب بس مثلث»، بتوقيع المخرج بلال زينون، العرض الافتتاحي لفعاليات مهرجان عمون لمسرح الشباب الثالث عشر، برعاية وزيرة الثقافة لانا مامكغ، وحضور أمين عام الوزارة مأمون التلهوني، ونقيب الفنانين ساري الأسعد.
تعد المسرحية واحدة من المسرحيات الشبابية القليلة التي قدمت مقترحات مشهدية تنتمي إلى مسرح العبث، خلال هذا العام، وبمقترحات بصرية وسمعية جديتين لم تتأثرا بالعروض المسرحية التي قدمت سابقا.
هذا العرض الذي كتب نصَّه ووضعَ رؤيته زيتون،، هدفت لوحاته المسرحية ومشاهده، إلى تبيان مدى فداحة الظلم الواقع على المواطن، من جانب النظام السياسي العربي بالإجمال؛ لجهة ضف المشاريع التنويرية، وغياب التنوّع وعدم تقبّل الاختلاف بالرأي.
تتحدث الحكاية عن شخوص تنتمي للشرائح الاجتماعية الشعبية، وجدت نفسها في حمام، فضاءهُ أقرب لغسل الموتى، في زمن ومكان غير محددين، في سياق الأحداث العبثية، يتبادلون الأدوار حيث تارة يصبح كل منهم السيد، ثم الضحية والتابع وهكذا، وتارة أخرى شخصية حية ومرة ثانية متوفاه، وهكذا.
نص العرض قدم وفق شكل مسرحي تأسّسَ على تقنية الحلم والإفادة من الخيال الخصب فيه، كما ووظفت الرؤية الإخراجية الذاكرة الانفعالية، في إثارة الزخم التعبيري للعرض، عبر تعميق امزجة وهواجس الشخوص لجهة تبيان مواقفها في الماضي والحاضر وأفقها المستقبلي المغلق، كون ان تصميمها ينتمي لمسرح العبث.
أظهرت جماليات السينوغرافيا قوةً في تأشيرها الدلالي، بفعل بساطة العلامة وثراء تعبيرية إيحائيتها في آن، لجهة الفضاء السينغرافي، في تموضع غرفة الحمام والمجسدة بطاولة خشبية مقلوبة في بؤرة المسرح، وإلى يسارها ثلاثة سطول ماء، صممها ونفذها محمد أبو حلتم.
فضلاً عن تصميم أزياء الشخوص في ارتداء (الشورت) الذي أسهم في إظهار القسمات الخارجية للشخصيات العاملة في الحمامات القديمة، سواء الذين يغسلون الأموات أو الأحياء واستخدام أساليب الإضاءة التي وضعها محمد أبو حلتم ومحمد المجالي،العامودية والأفقية وبنسب مختلفة في الشدة لتتلاءم مع الأجواء المختلفة في غرف التحقيق والتعذيب، أو أماكن غسيل الموتى، التي تضمنتها المشاهد واللوحات.
غير ان الكتلة الأهم دلاليا كانت في الحنفية بحجمها الكبير التي تموضعت في عمق المسرح، حيث أشر صوتها دلاليا في البناء السطحي للعرض على مسألة شح المياه، التي يعاني منها أبناء البشر في الزمن الراهن، ومن جهة أخرى في طرح أنساق المؤثرات الصوتية غير المنطوقة، ضمن البناء المضمر حيث كان صوتا (علامة) دلالية أسهمت بتعميق الفضاء الوجودي للعرض، (صوت وشيش مواسير الماء الفارغة) وكأنها تضخ مجازا معاني العدم واللا جدوى والعقم من الإسهام بأي تواصل تنويري يمكن أن يحدث فيما بين الشخوص، وهنا بالضبط كان هذا التوظيف جماليا في خدمة إنشاء الفضاء الدلالي العبثي.
وقد شكّلَ اندفاعُ أداء الفعل الجسدي الداخلي الانفعالي بمحمولاته إلى الأمام،(كونه يعد الحامل الأساس للعلامات) وفق زمن داخلي دائري رافعةً أساسية في تحقيق لغة المسرحية، لأن الحوار المتأسس على دلالة الكلمة، يعدّ مضلِّلاً في هذا السياق، لعدم يقينية المعاني المباشرة للّغة؛ لذا انصرف الفعل التأشير بصرياً، وتأسيس لنظام تواصل تتمظهر آلياته بين تقاطعٍ والتقاء، مع ما يراه المشاهد للواقع، ومن جهة أخرى مع رؤية نص العرض لهذا الواقع، وبخاصة مَشاهد التحقيق الأمنية الشائعة في المنطقة العربية، والمتسمة بالعنف الواقع على السجين أو المعتقَل السياسي، حيث تبدو إشارات الجسد المترنّح ألماً بمثابة الدلالة الأساسية في طرح اللغة المسرحية.