23-10-2014 06:22 PM
بقلم : محمد ابراهيم الشقيرات
عندما يتحدث جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين عن ماهية الحرب الدائرة الآن في عالمنا العربي، ويصفها بأنها حرب أهلية تدور في الإسلام ، فهو بلا شك يضع النقاط على الحروف بقراءات عميقة ذات أبعاد إستراتيجية هامه وبرؤيا ثاقبة تشحذ همم الجميع نحو الإدراك الواعي للمشهد السياسي الفوضوي الذي تعيشه منطقتنا العربية.
إذ ان هذه الحرب قد تفضي إلى ما هو أخطر مما هي عليه الآن ان لم يحدد كما قال جلالته “الكل موقفه من الاعتدال أو التطرف ” فإما أن تكون معتدلا دينيا وسياسيا ، وإما ان تكون متطرفا دينيا وسياسيا ،”وهو أمر لا يحتمل موقفا رماديا “كما قال جلالته ، حيث أن الاعتدال والتطرف خطان لا يلتقيان بأي حال.
ولم يقف جلالته عند حد التطرف الإسلامي الذي تعيشه مجتمعاتنا العربية الإسلامية، بل ايضا كان لجلالته إيماءات واضحة للجميع بان التطرف لم يجد مكانه في مجتمعاتنا العربية الإسلامية وحسب ، فالتطرف موجود في كل مكان وفي كل الأديان.
إذ أشار جلالته الى التطرف الإسرائيلي بحق المقدسات الإسلامية وبحق الفلسطينيين دون رادع دولي بحقه حيث قال” هناك تطرف إسلامي وأيضاً في المقابل يوجد تطرف صهيوني ، وأنه إذا ما أرادت كل الأطراف الإقليمية والدولية محاربة هذا الأمر، فلا يمكن القول أن هناك فقط تطرفا إسلاميا، بل يجب الاعتراف بوجود تطرف في جميع الجهات”
وفي هذا إشارة واضحة إلى قصور أداء المجتمع الدولي في النظر إلى التطرف نظرة شمولية ، وعدم ربطه بمكون أيديولوجي ديني واحد ، دون النظر إلى ما يرتكبه الآخرون من مجازر بشرية ومن مآسي حضارية حولت المنطقة برمتها الى كابوس مظلم ، باسم الإيديولوجيات الدينية التي يعتنقونها، أو باسم الأفكار التي يمتلكونها.
وهنا تجدر الإشارة الى ما نوه اليه في الخطاب الذي القاه جلالته خلال الجلسة العامة للدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي ” ان علينا ان نجتهد في البحث عن حلول سياسية قائمة على الاجماع للأزمات الإقليمية ”
انها معادلة واضحة …..
فحين يتحدث جلالته مخاطبا الجميع فهو يتحدث بكل شفافية ووضوح، ويضع النقاط على الحروف ،كعادته دائما يستشرف المستقبل الذي نعيش ويعيد الى الأذهان ما واجهته الدول العربية الإسلامية على مر التاريخ من شرذمات ناتجة عن الإيمان بمنهجيات وسلوكيات تطرفية قادت الأمة الإسلامية الى مكامن الفرقة والاختلاف ، وبالتالي إلى الأخطار الجسام التي واجهتها على مر التاريخ.
ان جلالته كأنه يقول وبصوت هاشمي غيور على الأمة العربية الإسلامية ان التطرف ليس فقط محصورا على المكون السني في عالمنا العربي ، بل ان هناك تطرفا لدى كل المكونات الدينية الايديولوجية في المنطقة برمتها ومن يرى غير ذلك فهو مخطئ…لذلك فالعلاج لن يأتي بسهولة الا من خلال معالجة إقليمية ودولية جماعية لكافة المشاكل التي تواجه المنطقة سواء النابعة من داخلنا العربي أو المستوردة من الخارج والتي جعلت من المنطقة بأسرها بؤرة للإرهاب والتطرف.
ان المتابع للمشاهد الدموية التي تحدث في معظم الدول العربية خاصة ما يحدث في العراق وسوريا ، على يد أولئك الذين ساهموا مساهمة فاعلة في صناعة مشاهد الغلو والتكفير والتطرف ليدرك جيدا ان ما يحدث بدعوى الإسلام يعيد للأذهان آداب الحروب الإسلامية زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما كان يوصي به رسولنا الحبيب أمراء جيوشه قبل القتال بقوله ” اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا “.
فإذا ما تأملنا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم فمن حق كل معتدل في هذا العالم أن يسأل نفسه أين مكان تصرفات أولئك المغالين بأيديولوجياتهم الدينية من وصية رسولنا الحبيب تلك ، وكيف يقبلون هدر دماء المسلمين الأبرياء بدعاوى شتى لا تمت للإسلام بصله ، وما ذنب النفوس البريئة التي تزهق هنا وهناك كل يوم لمجرد انتماءاتهم العرقية او الدينية ، وما ذنب الأطفال والشيوخ والنساء التي مزقت أجسادهم آلة الحرب المتطرفة أيا كان مصدرها .
لم تكن سلوكيات الجيوش الإسلامية بعيدة عن المبادئ الكريمة لنبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وعن أخلاقه السامية وعن أدبياته الإنسانية ، وعن رحمته صلى الله عليه وسلم التي تَحَلَّى بها ، لذا فقد كان يرحم صغار السن الذين لا يملكون أمرهم، كما كان يوصي بالنساء وينهى عن قتلهن.
ومن هنا فلا يجوز أن تتعدَّى الحرب الشعواء التي تعيشها منطقتنا العربية إلى المدنيين الذين لا يشتركون فيها من الشيوخ والنساء والأطفال والعجزة، أو العُبَّاد المنقطعين للعبادة، أو العلماء المنقطعين للعلم ،أو هدم المساجد التي يذكر فيها اسم الله ، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ” انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” ، أليس هذا كافيا لنبذ التطرف والغلو ، والعودة الى الأدبيات التي أوصانا بها الرسول صلى الله عليه وسلم .
ان الحرب الدائرة الآن في سوريا والعراق والإحداث التي تشهدها الساحة اليمنية ليست الا نتيجة لإرهاصات إقليمية ودولية في إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تواجه الشعوب العربية والتي أدت الى فسح المجال أمام تكون البيئة الخصبة لانتشار الأفكار التي تحمل في طياتها التطرف والغلو، إضافة إلى غياب الاستراتيجيات العربية الموحدة التي من شأنها تقويض الفرصة على كل من يجعل من الساحة العربية موئلا لتحقيق أهدافه الإستراتيجية ومصالحه العليا .
لم يعد خافيا علينا كأردنيين أهمية تمتين جبهتنا الداخلية لتفويت الفرصة على كل من يحاول المساس بأمن وطننا الغالي ،فالأردن هو القلعة الحصينة التي يجب ان نلوذ بها جميعا ، وندافع عنها بكل الوسائل والسبل ، كما لاذ اليها أولئك المحرومين من طعم الأمن والأمان ، ويتغنون في دفئها وأمنها الذي لم يجدوه في بلدانهم ، ومن هنا جاءت مشاركة الأردن في الحرب على الإرهاب لحماية هذه القلعة التي تحملت ما هو أعظم من قدراتها لاستقبال النازحين من أتون الحرب وويلات الدمار سواء جراء الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م أو جراء الأزمة السورية منذ عام 2011م ، وقد قالها جلالته علانية ” مشاركة الأردن الى جانب دول شقيقة وصديقة في الحرب على الارهاب يصب في حماية مصالح المملكة وتعزيز أمنها وسط ما تعانيه دول الجوار والمنطقة ككل من فوضى ”
(حمى الله الاردن من كل سوء وحمى الله الملك)