حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,26 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 15919

الموسيقى في الإعلام العربي: بين غياب النقد وتراجع المشهد

الموسيقى في الإعلام العربي: بين غياب النقد وتراجع المشهد

الموسيقى في الإعلام العربي: بين غياب النقد وتراجع المشهد

26-10-2014 01:22 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا - لماذا يغيب النقد الموسيقي عن الاعلام العربي؟
يبدو السؤال فضفاضا ومشتتا في صورته الكليّة، ويطرح تساؤلات اخرى تفضح المشهدين الاعلامي العربي، فالكتابة الاعلامية في الشأن الموسيقي ظلت على مر العقود هي الاقل انتشارا، ولم يفرز الاعلام العربي الا عددا قليلا من الاسماء البارزة في هذا المجال.
ولعل الكتابة في الشأن الموسيقي هي الاكثر صعوبة بين كل اشكال الكتابة عن الفنون الاخرى، خصوصا حين تكتبه لقارئ عادي لا تتعدى معرفته بالموسيقى سوى انه يسمعها.
وتندرج معظم الكتابات الاعلامية في المجال الموسيقي تحت بند نقل الحدث ووصفه دون اي تحليل يذكر، وتدور معظم الانطباعات حول الانطباعات الحسية دون الالتفات الى التقنيات الموسيقية, اما الجانب الاخر فيصنف في اطار دراسات موسيقية اكاديمية يصعب على القارئ العادي فهمها.
فالاعلامي يختلف عن الاكاديمي، وحين يكتب الاعلامي عن الموسيقى عليه ان يدرك ان ما يكتبه لا بد ان يأتي في المنتصف، في مكان ما بين الكتابة الوصفية والتحليل الاكاديمي، ليتمكن من وضع القارئ في المشهد الموسيقي، ويقدم له المعلومة الاكاديمية والتقنية بأسلوب سهل.
ومن ابرز التجارب في الاعلام الموسيقي مجلة «معازف» الالكترونية، والمتخصصة في المقالات والدراسات والأبحاث والمراجعات الموسيقيّة، وتسعى «معازف» بحسب ما يقول القائمون عليها، الى المساهمة في ترسيخ الصحافة الاستقصائيّة والبحثيّة من خلال طرح القضايا الموسيقيّة الملحّة والمعاصرة والمفصليّة من عدة جوانب بالتحليل والدراسة.
وعلى الرغم من المقالات النوعية التي تقدمها «معازف»، الا انها تظل حالة فردية، تضيف على المشهد الاعلامي الموسيقي، لكنها لا تستيع ان تشكل حالة عامة.
يتساءل الاعلامي والمحلل الفني اللبناني جميل ضاهر: أين هي الموسيقى حتى يكون هنالك نقد؟ ويوضح «المشهد العام الذي نمر به في العالم العربي أوجد أدواته، فطالما رموز السلطات في هذا العالم ليست كفؤة فمن الطبيعي أن ينحدر مستوى الذوق الذي ينمو من خلال ما يسمع وما يرى».
ويرى ضاهر ان النقد الموسيقي في إجازة، ويعزي السبب في ذلك الى وجود نوعين من الموسيقى السائدة اليوم؛ «موسيقى النخب، وهي أيضا تعاني من مشكلة لأنها لم تأت بجديد، وما زالت تعتمد على الإرث الموسيقي العربي، وفي حال قدمت موسيقى جديدة فغالبا ما تكون نوعا من التقليد او تعاني فقرا في التوزيع، فضلا عن انها لا تستفيد من علم الهارموني المعمول به عالميا مكتفية بالتسميات (موسيقى أندر غروند ) أو (جاز اورينتال ) وحاليا ( هناك الراب والهيب هوب)».
ويصر ضاهر على ان كل هذه التجارب «لم تدخل الجمهور بالمفهوم العام إلى عالمها فبقي الإنقسام قائما بين ما هو تجاري ويلبي رغابات العامة من الجمهور، وبين مجموعات ترغب في التغيير والتجديد، ولا تجد أمامها الا هؤلاء الشباب (المحدثين) على طريقة «مشروع ليلى» أو فرقة «اوتوستراد» او «اسكندرلا» وغيرهم».
وينتقد ضاهر الصحافة الفنية بشكل عام بشراسة، مشيرا الى أنها صحافة «متهتكة»، موضحا ان «تهتك مهنة الصحافة الفنية بالتحديد وربطها بالفاشلين من عالم الصحافة ساعد على انتشار السيء او الشعبوي من الموسيقى»، ويواصل «فالذوق الخاص لهؤلاء يلعب دورا في هذا المجال، وجل العاملين في مجال الصحافة الفنية وجدوا في ملاحقة النجوم او شتمهم او تمجيدهم فرصة كافية لتجعلهم اسماء معروفة في هذا الحقل».
ويقول ضاهر ان النقد الموسيقي سيبقى «خارج الميدان الحقيقي حتى اشعار آخر، أقله بعد تحقيق التوازن المجتمعي والسياسي وبدوره سينعكس ايجابا على كل مفاصل الحياة».
الاعلامي والناقد المصري مينا ناجي « يقول «لابد أن نحدد ما هو «التحليل الموسيقي» وما هو «النقد الموسيقي»، وهو دوماً تحديد تحت جدل؛ لأن التحليل والنقد بتعريفهما ينبغيا أن يتبعا منهج علمي ونظريات نقديّة»، ويتسائل ناجي «لكن أي منهج علمي وأي نظرية «جماليّة» تشمل نشاط تجريدي وذاتي ومتشعب دوماً مثل الموسيقي؟ لذلك من البداية هناك غموض وإلتباس مبدئي في التحديد».
ويوصل ناجي تساؤلاته في تحديد مفهوم النقد الموسيقي «هل يوجد سياق ثقافي عربي يستطيع أن ينتج نظرياته ومناهجه الخاصة الجماليّة»، ومن هنا ينطلق ناجي بتحليل واقع النقد الموسيقي في العالم العربي «بواقع الحال هذا الإنتاج يخرج من رحم المجال الاكاديمي، وهو مجال بائس وفارغ عربياً بشكل مجمل، ومن هناك جاءت الاستعارة من النظريّات الغربيّة والمنهجيّة الغربيّة في التحليل، وأصبح التوجه الأساسي هو توفيق هذه الادوات والنظريات التي نتجت في سياق مغاير لتلائم طبيعة الموسيقي العربيّة، وهو إلتباس آخر، وإنسداد لأفق التراكم النظري والنقدي».
ومن ناحيّة أخرى يرى ناجي أن الموسيقي العربيّة بعد أن وصلت ذروتها في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين «تحولت تدريجاً إلي الجفاف والضعف فيما يتعلق بإعادة اختراع وتطوير القوالب والنظم الموسيقيّة»، موضحا انه انطلاقا من هذا الضعف «أصبح التحليل والنقد حبيسا فقيرا وفارغا يُفرض عليه شكل واحد، وهو التناول الاكاديمي المنعزل عن موضوعه الفقير أساساً».
ويرى ناجي ان هذا الفقر نتج عنه نوع آخر من النقد يبتعد عن التحليل الذي أصبح نادراً، وهو النقد الثقافي للموسيقي، موضحا «أي تناول الدلالات الثقافيّة والمعرفيّة للعمل الموسيقي، وهو السائد الآن. وهو نقد يعتمد على مجالات معرفية مختلفة وليست متخصصة بالذات في المجال الموسيقي».
الا ان ناجي يرى ان هذا النوع من النقد يواجه ايضا مأزقا آخر، وهو «أنك تستطيع أن تقول أي شئ عن أي شئ دون تقدير واضح لقيمة ما يقال أو إثبات مدى جدواه، أو حتى ان تستطيع استخدامه لتطوير عملية الانتاج الموسيقي الذي هو مفترض دور من أدوار النقد في أي نشاط يدخل في إطاره». ويعزو ناجي النقص الواضح في مجال النقد الموسيقي الى هذه الاسباب مؤكدا على انها «أسباب جذريّة وموضوعيّة وعمليّة»
فيما يرى الاعلامي احمد الزعتري، أحد مؤسسي «معازف» الالكترونية، انه «لا يمكن فصل تقييم النقد الموسيقي في الإعلام العربي عنه في الإعلام العالمي رغم الفارق الكبير الذي يتمثّل في مأسسة نظريّات النقد الغربيّة تحديداً». مشيرا الى ان «الإعلام العربي فشل في خلق حالات نقديّة تعنى بنقد الموسيقى العربيّة على خصوصيّتها لأنّ هذه النظريّات تعامل على أنّها «فوقيّة» بالتعامل مع الآخر»
ويؤكد الزعتري على ان النقد الموسيقى عالميّاً «يتعرّض إلى عدّة عقبات أهمها بالطبع تسليع المنتج الثقافي عامة، والموسيقيّ خصوصاً، وربطه مباشرة بالترفيه عبر أساليب إنتاج تجاريّة أصبح من الصّعب التمرّد عليها من دون أن يتغرّب الصانع الثقافي عن مجتمع الاستهلاك».
واضاف «هذا ينسحب بالطبع على المنتج الموسيقيّ العربيّ. إلا أن الفارق يكمن في ثقافة الاحتفاء بالمنتج الثقافي، وربطه مباشرة بالمقدّس أو ما هو فوق- واقعي: فاللغة مقدّسة، والشعراء ممسوسون من الجن في وادي عبقر، والمثقّفون كائنات غريبة عن المجتمع».
ويوضح الزعتري وجهة نظره هذه قائلا «من هنا كان من السهل «الإيعاز» بغناء أغانٍ معيّنة نظراً لارتباطها «بقضايانا» المصيريّة، فيروز مثلاً غنت «زهرة المدائن» بإيعاز، وأم كلثوم غنّت «أصبح الآن لدي بندقيّة» بإيعاز أيضاً. فكان من السهل الاحتماء في هذه الحالة بالسلطة، ومن ثم بالقضيّة المصيريّة، من النقد الموسيقي الذي سيعتبر أمراً «غير وطنيّاً» هن»ا.
ودعا الزعتري الى ضرورة تدريب الصحفيين الثقفيين، مشيرا الى ان المشكلة تفاقمت «في اختفاء أي جديّة بالتعامل مع المنتج الثقافي بالتحليل والنقد في الإعلام العربيّ، واعتبار صفحات الثقافة ترفيهيّة، وانحسار فرص تدريب الصحافيين الثقافيين، وتنميط أسلوب الصحافة التي تحتفي ببلاغة اللغة بدلاً من تطوير المحتوى».
ويتفق الكاتب المصري شادي لويس مع جوهر تقريرنا، في ان إلاعلام العربي «يقدم صحافة موسيقية, خبرية في جوهرها , أكثر منها تحليلية أو نقدية, وفي ذلك لا يختلف كثيرا عن الإعلام في الغرب على سبيل المثال, و الذي مع كثافة الإنتاج الموسيقي هناك و تنوعه تظل معظم التغطية الإعلامية للمنتج الموسيقي خبرية ووصفية, بينما ينحصر معظم النقد و التحليل الموسيقى في الدوريات البحثية والنخبوية المتخصصة».
الا ان لويس يرى ان هناك اشارات مشجعة فيما يخص النقد الموسيقي بدأت بالظهور مؤخرا, «فمبادرات طموحة مثل «معازف», وهو موقع معني بالنقد و التحليل الموسيقي في منطقتنا العربية, اجتذب بالفعل أصوات متحمسة في اهتمامها بتحليل أعمق للانتاج الموسيقي في سياقاته الاجتماعية و التاريخية و تمحيص علاقاته بالسياسة و التكنولوجيا ورأس المال».
وفي السياق نفسه, تعاونت مواقع أخرى مع معازف في نشر بعض المقالات في النقد الموسيقي مثل «جدلية» أو الترجمة للانجليزية مثل «مدى مصر»، ويقول لويس «تبدو التجربة مبشرة جدا ولكن كاشفة أيضا عن جدوب في مجال النقد الموسيقى على الأقل في زاويته التقنية, فمعظم المقالات المنشورة تقع في مجال الانثروبولوجيا الموسيقية, و التاريخ الموسيقي, و في أفضل الأحوال فلسلفة الجمال, مع ندرة شديدة في الموضوعات التي تنصب على التحليل الموسيقي من زاويته التقنية, باستثناء كتاب قلائل مثل «فادي العبدلله», بالاضافة لذلك تبدو الأصوات هناك ممثلة لمصر و دول الهلال الخصيب مع غياب شبة كامل لشمال أفريقيا ودول الخليج في معظمها».

أسباب النقص في هذا المجال
ويتفق لويس مع الزعتري في ان مجال النقد الفني والموسيقي تحديدا «يعاني ازمة عالمية منذ نهاية السبعينات, وانحصار موجات التمرد التي بدأت في الستينات عزز تلك الأزمة»، ويرى لويس ان التقدم السريع في مجال الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات «عمقت من مقولة «موت الناقد», وانتفاء دوره الاجتماعي»، موضحا ان «قدرة المستهلك على تقييم العمل الموسيقى مباشرة , وقدرة الملايين من تسجيل تصويتهم على جودة المنطق الفني على الشبكة العنكبوتية, والإطلاع على تقييم الغير، حول النقد لعملية أكثر ديمقراطية, وتفاعلية, وجماهيرية, مما دفع الناقد لموقع يبدو معه دوره الاجتماعي أكثر تعاليا و سلطوية, منسحبا أكثر خارج الإعلام تجاه الدوريات المتخصصة والنخبوية».
فالنقد الموسيقي، كما يشير لويس، ليس استثنائا في المنطقة العربية, «فهو مجال يقع على تخوم فلسفة الجمال والعلوم الانسانية من جانب، ومعنيا بالانتاج الابداعي وتقنياته من جانب آخر، ويعاني ما يعانيه انتاج المنطقة العربية من الانسانيات والعلوم الاجتماعية والفنون الابداعية. يبدو الأمر مفهوما في منطقة تعاني شعوبها اضطرابات عنيفة وتحولات تاريخية دموية, فبينما يعاني الملايين بشكل يومي لتدبيرالاحتياجات الاساسية تبدو الحاجة للنقد الموسيقى رفاهية صفيقة للكثيرين».
ويختتم لويس مبينا ان «أن النقد الفني بوجه عام ارتبط تاريخيا بازدهار البرجوازية الأوروبية في سياق اجتماعي و تاريخي محدد, لعبت فيه الطبقات الأكثر رخائا دور البيئة الحاضنة لماكينة الإنتاج الفني و نقدها, و مع الاختلاف الجذري للبيئة الاجتماعية والثقافية في الوطن العربي اليوم عن مقابلها الغربي, يبدو النقد الفني مجال بلا بيئة موائمة أو طبقة حاضنة في منطقتنا, بلا تراث نقدي يمكن البناء عليه أو مراجعته, و لا مدارس نقدية سابقة يمكن التعويل عليها أو مناكفته».








طباعة
  • المشاهدات: 15919

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم