01-11-2014 10:15 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
قال احد المفكرين المتأملين يوما, إغلاق العين يجعلنا لا نرى من الفجر شيئا, لكن إغلاق الفم يجعلنا نقول من القلب كل شيء عن الفجر, ...يبدو أن صاحب فكرة إغلاق المسجد الأقصى, قد مر بكابوس ليلي مركز افقده صوابه, والكابوس الليلي يا أحبتي, غالبا ما يكون نتيجة لنوم عميق سبقه شرود ذهني مع وجبة عشاء من العيار الثقيل, ونحن طبعا في وطن عربي«مكسور الخاطر» لا نعرف ولا يسمح لنا أن نعرف, وربما محرم علينا نعرف اسم وصفة صاحب فكرة إغلاق المسجد الأقصى, لأن «الصهاينة» يعملوا بلغة العمل المؤسسي لبناء دولتهم.
إغلاق المسجد الأقصى, ليس مجرد إغلاق أبواب أو إغلاق مداخل أو حتى باحات, إنما هو تمهيدا لتطبيق خطة مفادها تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، فالتقسيم الزماني للمسجد هو بمثابة التمهيد الحقيقي للتقسيم المكاني بعد ذلك, كيف لا و«بن غوريون» قال ذات يوم, لا معنى لإسرائيل من دون القدس، ولا معنى للقدس من دون الهيكل, وما زلنا نحن في وطن عربي«مكسور الخاطر», وأن الإسرائيليين بعلمانييهم ويسارييهم ويمينييهم وحاخاماتهم يتوحدون خلف ملف, اسمه ملف «جبل الهيكل»، ويرى«يوسي بيلين» الإسرائيلي المعروف، صاحب وثيقة جنيف الشهيرة، أن جبل الهيكل بالنسبة لليهود، جميع اليهود، هو بمثابة مكة أو الكعبة بالنسبة للمسلمين.
المتتبع للأحداث الجارية وفي آخر استطلاع إسرائيلي للرأي العام قبل أيام, يجد أن هناك رفض حوالي ثلاثة أرباع الإسرائيليين التنازل عن القدس الشرقية في سياق تسوية سياسية، فيما يبدو أن هذا التوجه سيُترجم قانونيا، إلى طرح مشروع في الكنيست يقضي بتقسيم زماني ومكاني للمسجد, وقد طالب الإسرائيليون سابقا بجزء من الشق العلوي للمسجد الأقصى، مع سيادة كاملة على شقه السفلي، وبالطبع من أجل استمرار البحث عن الهيكل الذي يزعمون وجوده تحت المسجد, ...مواجهة المخططات الصهيونية بــ«الصراخ» ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لن يكون ذا قيمة، وهنا نقول لا بد من إجراءات قانونية ينبغي أن يتم التلوّيح بها لحماية المسجد، وان كنا قد تأخرنا ولم نبادر بها منذ زمن طويل, فمرور الزمن يؤدي إلى المزيد من التهويد، وبالتالي تكريس التنازل بصيغة أو بأخرى، وربما توفير الأجواء لهدم المسجد برمته من أجل بناء الهيكل، وفي المدى القريب تقسيمه بين المسلمين واليهود، زمانيا، تمهيدا لوضع اليد عليه مكانيا بالكامل.
لكن في المقابل, مازال في الأمة الخير, ويبقى هذا الخير مستمرا جيلا بعد جيل, وبكل أمانة وصدق, فجهود جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم هي الخير كل الخير, فقد أثمرت هذه الجهود في إعادة فتح بوابات المسجد الأقصى في القدس الشرقية أمام المصلين, بعد إغلاقه بقرار جائر اتخذته حكومة الاحتلال أمام أنظار كل العالم دون أية مبالاة, ...لكن جهود جلالة الملك تترصد لكل محاولات التقسيم البشعة, لتثمر في إعادة فتح سماعات مآذن المسجد الأقصى, لتنطلق منها عبر الأثير كلمات ألآذان: (الله اكبر الله اكبر ...لا اله إلا الله), وليشهد هذا المسجد على الدوام أن مواقف«الهاشميين» ماثلة جيلا بعد جيل.