حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,26 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 17241

«حبّة قمح» لغرايبة .. معاندة المصير

«حبّة قمح» لغرايبة .. معاندة المصير

«حبّة قمح» لغرايبة ..  معاندة المصير

03-11-2014 10:51 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا - لا يسلم صاحب الطموح مما يكدّر مشروعه أو يقف حائلاً بينه وبين القطف؛ ونحن هاهنا أمام حوارٍ عذب تحمله (حبة قمح) في ضروريات التلوّن والتشكّل وقدريّة الولادة والموت، وهو ما حمّله القاص الروائي هاشم غرايبة مجموعته القصصية الجديدة (حبّة قمح).
ولكنّه طموحٌ، على إيحاءاته، يبدو سياسيّاً، أو نضالياً، ينزاح باتجاه الخروج من الشرنقة، والمصاير المعلومة والانفلات الاستثنائي من عجلة الموت، بالرغم من بقاء الجذوة تجدد ما يبعث على الحياة ويحمل الشعور بالكينونة أو الوجود.
(حبّة قمح) التي أصدرها غرايبة عن دار (الآن ناشرون وموزعون) وأهداها إلى (الرفيق) نبيل جعنيني، هي فضفضات الحبّة التي يطرأ عليها ما ينتاب صاحبها من هموم الإحباط ومعاندة الظرف وعدم مواتاة الريح.
نستهلّ مع غرايبة القصّة بهذه المقطوعة: (منذ الأزل كان الأمر هكذا..عادةً أولد داخل بيتي وأتجدد عبر دورةٍ رتيبة مكرّرة كتبادل الليل والنهار. أولد أنا وأخواتي معاً إلى أن يئن الأوان..لأكون أكثر وضوحاً، أعلّمكم أنّ التذكير والتأنيث لا معنىً له في عالمي. لمّا يئن الأوان، أتمظهر دائماً على مثال الأصل وصورته، وأكرر حضوري كلّ موسمٍ بلا كلل. لا يحدث ذلك بيسرٍ وعفويّة- كما يوهم حديثي؛ فالمصاعب ماثلة دائماً، والمعاناة ضريبة أن أحيا وأحقق ذاتي، وأتجدد متجرعةً المحن، صابرةً على مخاطر الطريق التي لا تحصى. يحدث... يحدث كثيراً أن تكون الظروف قاسيةً، بل لعلّها دائماً قاسية. رأيت أترابي وهُنَّ يُطحَنَّ تحت أسنان جرذٍ قبيح، أو يختفين في منقار عصفورةٍ جميلة، أو تعاندهنّ الظروف؛ ظروف التربة أو الطقس، فيعُدن أدراجهنّ إلى العدم. عادةً أولد مع أترابي متلفّعةً بشرنقتي الخضراء الناعمة، وأظلّ تحت سمائي التي تبدو من موقعي هذا بلونٍ بنفسجيٍّ لامع، أتمدد تحت سمائي الصغيرة مستسلمةً لعنايتها وأكبر، ثمّ أشفق عليها وهي تجفّ وتتشقق مبدّدةً نفسها لتصير تلك السماء البهيّة قشوراً ذهبيّةً تكمل زينتي، وتهيّئني لليوم الموعود، يوم التحقيق والانبعاث على صورة السلف (ذات الكمال وذات البهاء).
ومن القصّة نقتطف، لعلّ ملمحاً يسعف في ما نحن سائرون إلى تحميله غرايبة، وهو- على أيّة حالٍ- حرٌّ في وقوفه عند جمالية الصورة أو تجاوزها إلى الغاية محور القص: (حارسٌ إثر حارسٍ يجردونني شيئاً من زينتي وجواهري. أصلُ الأرض منهكة، فأسرع للتواري بذرّات التراب- إن واتاني الحظّ، ثمّ أترك سرّتي لرطوبة الأرض وأنتظر مصيري. دائماً أنجو، فلا أذهب إلى الطاحونة.. لكنّي رأيت الكثير من مثيلاتي طوين سررهن الماسيّة وذهبن إلى العدم...).
القمح..الموسم..الشرنقة.. الكينونة..الماضي..العدم.. اللحن المكرر.. النضج.. الكمال..المساواة... الطاحونة.. التراب.. العصفور.. الريح.. الشمس.. رائحة الموت.. مخاطر الطريق.. المحن، جميعها مفرداتٌ تتنافذ على إنسانيات وقلق وتغري بالذهاب إلى خبرة القاص غرايبة وأيديولوجيته، وفي (حوران) دائماً ما نكون مع كثيرٍ من القمح.
يقول مدير الدار الناقد الزميل حسين نشوان إنّ في قصص هاشم غرايبة إلحاحاً للعودة إلى الطفولة؛ طفولة الكائن، وطفولة الكون،.. وفيها يستعيد سيرة الأشياء بأنسنة اللحظة التي تختزل معنى الوجود الذي يمرّ أمامنا كطيف، مجرّد طيفٍ لا نمسك منه سوى الحلم والوهم. ويقرأ نشوان في (حبّة قمح) لغرايبة (الماركسي) صوفيّةً غامضةً، لها إيمانها الخاصّ ومذاقها الخاص الذي تتلذّذ به النفس بداعي الحكي، ولما تشبّعت به الروح من معرفةٍ قالتها التجربة الشخصيّة التي عاركت الحياة، وعاركتها حتى تجرّحت لغتها، فرقّت الكتابة من شدّة العناء والمعاناة. ويضيف نشوان أنّ القاص الراوي يدوّن اللحظات الإنسانيّة الأكثر بساطةً ضمن حوارٍ داخلي يتأمّل فيه بصفاء العارف القلق رحلة الحياة في مدارجها ومنعرجاتها وفرحها ومفازاتها وخساراتها، ليقول بصوتٍ خافتٍ ما فاتنا وما لم نستطع الإمساك به؛ إذ يقول ما رأى وحده، بلغةٍ مكثّفة، منوّعاً بين دهشة الرمز وصدمة الصريح ضمن حكاية/حكايات تشبه ما يخالجنا بصمت، ولا يتسنّى لنا قولها: (إننا- فقط- نمرّ بالجمال).








طباعة
  • المشاهدات: 17241

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم