05-11-2014 12:36 PM
سرايا - سرايا - حسن البوريني شاعر انطبع فيه الإيقاع الصحراوي لبحر الشعر العربي، فمارس معه غواية التجاذبات الصوتية واللفظية، مع احتفاظه بما يبعثانه من عمق واتكاء على الموروث في البدايات الشعرية، كما هو الحال في ديوانه» همسات من بقايا روح»، غير أنّه سرعان ما أصغى إلى التحولات التي رتّبتها حداثة الأشياء في مخيلته، فانبرى إلى إيقاعاتها المعاصرة، ليحفر بعيداً في سلالتها الموسيقية، مع الاحتفاظ أيضاً بما تقدمه اللغة من صورتها الواقعة بين المتخيل والواقع، والذي برز بوضوح في ديوانه» عتاب الساقيات»، لكنه لم يقف عند هذا الحد، فذهب واثقاً إلى دائرة الحداثة الشعرية، كما يُلمح في ديوانه المخطوط» جرار الدمع».
يرى الشاعر البوريني المولود في النعيمة عام 1963م، أنّ الحرفة والمباغتة يشكلان دورة الحياة في النص الشعري، وعليه يؤكد أنّ الشاعر يحتاج إلى اقتناص اللحظة التي ينتظرها القارئ، ويؤكد الحاصل على بكالوريوس قانون من جامعة الزعيم الأزهري في السودان على أنّ ظاهرة الأمسيات الشعرية المتكررة التي يسعى إليها بعض الشعراء هي ظاهرة غير صحية، ويميل إلى أن الجيل الجديد هو الأكثر قبولا والأعم شيوعا بين الناسِ على اعتباره جيلاً مُحصناً.
حول نظرته للشعر البدايات والنهايات، وتحولات التجربة الشعرية، ونظرته للنقد وأشياء أخرى كان هذا الحوار:
كيفَ ينظر الشاعر حسن البوريني إلى صورتهِ في الشعر بعد ثلاث مجموعات شعرية؟
الشّاعرُ رهين الحَدَث والظرف العام، كما هو رهين المنطق الحِسّي الآنيّ السّائد، فطالما أنّ هُناك ما هو جديد وطارئ حتماً لن يستطيع الشّاعرُ أن ينظر الى ذاته من بؤرةِ التقييم، لكون القصيدة ليست بحثاً أكاديمياً ينتهي عندَ حدود الخاتمة.
متى يصبح الواقعُ لغة شعرية وأنتَ مِن الشُّعراء الذين تتلمس كثيرا مفرداتهِ؟
لكي تكون القصيدةُ على مقربةٍ من المتلقي فلا بدّ لها من أساسيات، فالنصّ الذي يحمل الهمَّ العام هو الأقرب منزلةٍ إلى النفسِ من سواه، ولكي يكون لهذا النّص الشّعري القبول التام، فلا بدّ للشّاعر أن يقتنص اللفظة التي ينتظرها منهُ المتلقي الفذّ، وقد لا يتوقعها في الوقت ذاته، على اعتبار أن الشاعر هو مرآة تعكس للنفس ما هو فيها، ومن هنا أجزمُ لك بأنَّ المفردة تتعبني حال توظيفها أو إيداعها ضمن مَداميك البناءِ النّصي البعيد عن البناء النَّظمي الجّاف.
الأمسيات الشّعرية التراكمية هل تؤثر برأيكَ على المُنتج الشّعري خاصة إذا ما أراد الشّاعر قراءة الجديد في كُلِّ أمسية؟
الأمسيات الشّعرية المتكررة لذات الشّاعر ظاهرة غير صحية، ولها من المحاذير ما يكفيها ويزيد، لما يترتب عليها من هَوالك قد تبددُ اللذّات النَّصية للنَّص، وتروح بالشّاعرِ إلى سُبل مُتشعبة يصعب معها على الشّاعر مواكبة ومتابعة قراءات البوصلة الحقيقية، وهذا يُربك ما هو في مُخيلةِ الشّاعر ويشتته، فعلى الشّاعر أن يترك بينه وبين المتلقي مساحة تحُسِّسُ الطرفين بالشّوق الدافق الذي له صفة الديمومة.
(عتابُ السَّاقِياتِ) هل هو إيذان بدورة الشّعر عند البوريني وهو الذي حملَ لُغةً مختلفةَ عَن دواوينكَ السابقة؟
سؤالك هذا ردَّني إلى سؤالٍ سبقه تعلقَ بتأثر النّص بالواقع، وما كان «عتاب السّاقيات» إلاّ صرخة جاءت بعدَ نحيبٍ أحتبستهُ الرّوحُ طويلاً، ففاضَ بالدّمعِ العزيزِ عِنوةً ورغماً ، لذا تجد فيهِ ما ترجوهُ النّفسُ الذّواقة من حُسن لغةٍ وعمقِ معنى، ولهذا آثرتُ أن تكون له رؤيته الحداثية التي تعطي له جنسيةً تخصّهُ هو باللذاتْ.
وماذا عَن (جِرارِ الدّمعِ) ديوانك قيد الطبع، ما الجديد فيهِ على المستوى البنائي، وأين وصلت علائقه المتخيلة في دورتها؟
(جِرارُ الدّمع ) هو ديوانٌ جاء بعدَ مخاضاتٍ عسيرة تماما، كما هي الولادة التي تأتي بعدَ مُرِّ صبرٍ، وطولِ انتظار، فقد تعاملتُ مع هذا المولود بحذرِ العاشق وبفلسفة الزاهد، رُحتُ فيه إلى ما أرساه المتخصصون في مسألة التخيّل والمتخيّل والمساحة المتداخلة بينهما، حيث وظفت فيه ما مِن شأنهِ الرّواح إلى ما يُعرف بالوراثة الشّعرية (تخصيب النّص، والتربة الصافية التي يُخلقُ منها النّص الشّعري ) لذا تجد النصوص الواردة في (جِرار الدّمع) نصوص تروح إلى عوالم التأملِ والتخيّل.
ما الذي قدّمه النقدُ لك بعد ثلاثِ مجموعاتٍ شعرية؟
لا أستطيعُ أن اجزمَ بأنَّ الحركة النقدية هي في افضلِ حالاتها على وجه العموم، فلا زالت موازين النقد في السّاحة الأدبية بخير وأن شابها بعض الشحوبِ والوهن، أما عن ديواني (عتابُ السّاقيات) فأنا أخال بأنّه قد وجدَ ضالته النقدية على يدِ أكثر من ناقد وكان الحظًّ حليفه في المضمار النّقدي، ومن هذا الباب أرجو صادقاً أن تكون العينُ النّقدية عينا ثاقبة ومُشخِّصة بحياديةٍ جَادة، ولا يروحُ ببصرها رمَدٌ هنا أو هُناك.
الكتابةُ الشّعرية هي ايقاع يمرُّ على وترين وتر المُباغتة الشّعرية ووتر الحرفة ، كيفَ تنظرُ لهذا؟
نعم صحيح، فأنّ وترَ الحرفة ومع تكرارِ المعزوفة وان تغيرت مُقطوعاتها، سيغدو مع الوقتِ لحناً رتيباً، والشّاعر اليقظ هو الذي يزاوج الحرفة مع المباغتة، وهنا يظهر الجيلُ الجديد الأكثر قبولا والأعم شيوعا بين الناسِ على اعتباره جيلاً مُحصناً، وبخلافِ ذلك، سيبقى النّص الشّعري عقيماً يحيا ويموت بلا فراغ يتركه.
ماذا تريد أن تقول للشعر بعد أن اختلط الحابلُ بالنابل في هذا الزّمن؟
ليس لأحدٍ منا السلطة التي تمنحه حق طرد النص الهزيل من جمهورية الأدب الرّاقي، ولكن العزاء الحقيقي للشّعر، إنّ النّص الشّعري الجميل المبني على أسسٍ بنائية والقائم على مقوماتٍ التّخيل والمتخيل، سيأتي حاملاً بيده لواء الديمومة والبقاء والخلود، وسيسقط على الدّرب كلُّ ما هو هزيلٌ وضعيف، وبالتالي فأن الزّمن والذائقة الرّاقية هي التي تُفلترُ هذه النصوص، وهي مَن تحكم لها بالبقاء أو تحكم عليها بالزوال.