02-08-2008 04:00 PM
هناك جهود ملكية موصولة لبناء مظلة من "الأمان الاجتماعي" للفئات الأقل حظا في مجتمعنا الأردني،وهي جهود حثيثة مستمرة تتصاعد وتيرتها وتطفو على سطح الاهتمام التنموي السياسي والاقتصادي علاوة على الاجتماعي،وليس من الحكمة بمكان (التغاضي) عن هذا التوجه الأردني !!.. نقول هذا ونعبر عن شديد الأسف بل الأسى على أحوال من حالت بعض التعليمات والاجراءات وربما (التشريعات) بعدم شمولهم بهذا التوجه الملكي الوطني المسؤول..!!
من خلال هذه المقاله سأطرح قضية فريده، يعاني منها فئة يمكن وصفها بـ (طبقة اجتماعية أردنية جديده)،حيث أتناول حالة يمكن تعميمها ،توظيفا لفكرة تواضع حجم مساحة المظلة الاجتماعية وانحسارها بل عجزها عن تأمين (أمن اجتماعي) لهذه العائلات الأردنية الكادحة الصابره،التي تسف تراب الوطن وتنشد على الدوام عاش الوطن .. عاش الملك...
إن عددهم حسب الرواية الإحصائية الرسمية بلغ 17 ألف أردني يمثلون 17 ألف عائلة ،حيث متوسط عدد أفراد العائلة الأردنية المعالين من قبل شخص يبلغ (تقريبا) 5 أفراد، أي أن هؤلاء يعيلون 85 ألف نفس أردنية.. وهو عدد يقترب من عدد سكان بعض المحافظات في وطننا..!!(تعداد سكان محافظة العقبة أقل من 100 الف نسمه)، إذا؛ دعونا نتحدث عن جانب خطير من مشكلة تواجه مواطني (محافظة عمال المياومة) .. تلك المحافظة التي توزع سكانها في كل حي فقير في أرياف ومدن وبوادي ومخيمات الأردن.
هناك حلقات تتوالى تباعا في مسلسل معاناة عمال المياومة في الأردن، وتتراكم أخبار عن مؤتمرات رسمية وشعبية، وعن وعود حكومية وعلى أعلى المستويات بتعديل قوانين وتشريعات، وكذلك عن حركات عمالية تمارس ضغوطا ديمقراطية على هيئة إضرابات واعتصامات، وكل هذه الأخبار تحمل مطلبا أردنيا اجتماعيا واحدا وعلى درجة من الإلحاح ،لا نملك معها الا التسليم بشرعية المطلب،وهو (مساواة هؤلاء المواطنين بغيرهم )، وفي الحقيقة إن القضية التي نناقشها هنا تتضمن مطلبا بتحقيق حالة من عدالة تتوائم وطبيعة الظروف التي يعيشها الناس والتي تحتل جزءاً من وقت وجهود الملك والملكة ليس بالقليل، كما نسمع ونشاهد بل ونلمس بكل جوارحنا،وليس أول أو آخر تلك التوجهات مبادرة " سكن كريم من أجل عيش كريم" .
إذاً؛ (العدل الاجتماعي والمساواة والحياة اللائقة الكريمة) هي مفردات العنوان الرئيسي الذي ننطلق منه جميعا لتحقيق حالة من الاستقرار والأمن لتلك الفئة من الناس، لن نناقش هنا ممارسات القطاع الخاص بحق هؤلاء الناس (كالبنوك مثلا)، ولن نطالب بمطالبهم التي يرفعونها على هيئة شعارات في اعتصاماتهم واضراباتهم عن العمل،سنناقش ومن خلال هذه القضية حالة من التمييز بحق هؤلاء الناس،حيث تتجلى ضرورة العدالة الاجتماعية والمساواة وفرصة (الحياة) التي يفتقدها معيل عائلة ضمن هذه الشريحة الاجتماعية،تتجلى؛عندما نناقش قانون يتم تطبيقه ويسهم في تمييز هؤلاء عن غيرهم من موظفي الدولة ويتم (غبنهم) حقوقا مكتسبه كانت معنوية فإذا بها مصيرية في هذه الظروف..!!.
لدينا قضية خاصة رفض صاحبها التحدث عنها بشكل شخصي،و(من حقه علينا) أن نلتزم بالضمير المهني وعدم التشهير به فهو مواطن شريف،يحمل شهادة البكالوريوس الجامعية ويعمل منذ 3 سنوات كموظف في إحدى المؤسسات الحكومية،وعلى نظام المياومة،ويعيل عائلة من 9 أفراد بينهم 6 طلاب مدارس،ويسكن بيتا بأجرة شهرية 140 دينار، وعدم تملكه لبيت خاص به،جعله يعيش حياة العوز والاقتراض والدين ،مما رتب عليه مطالبات مالية ،أتت على ثلث راتبه البالغ 300 دينارا،ومن المبلغ المتبقي من راتبه يدفع أجرة منزله 140 دينارا ويعيل بقية أفراد أسرته ال 9 بالـ60 دينارا الباقية، وفي ظل هذه المعاناة، يقوم خصمه الذكي؛ بالطلب من محاميه الأذكى واستنادا للمادة 23 من قانون التنفيذ أن يسعى لسجن هذا الموظف،بجريمة الدين التي تكتمل أدلتها الجرمية ،بدليل يأخذ به القضاء ،وهو أنه موظف (مياومة) مكشوف الظهر،ولا تغطيه منظومة قوانيننا،بل إنها تفسح المجال رحبا أمام عائلته بالضياع وسلوك درب المجهول الأسوأ..!!.
عندما يتقاضى خصمان على ذمة مالية (دَين) مثلا،ويقول القضاء كلمته في هذه الخصومة،يتم اللجوء لقانون التنفيذ رقم (25)لسنة 2007 (لتنفيذ الحكم) وقد يقضي القاضي بالحكم على المقترض بسداد الدين خلال فترة زمنية واضحة،وإلا فسوف يتم توقيفه (حبسا) لمدد مختلفة ،حسب تقديرات القاضي وحجم الدين..الخ،لكن القانون المذكور وفي فقرته الأولى "الفقرة (أ)" يستثني بعض الحالات من تطبيق عقوبة الحبس بحقهم،ومن بين هؤلاء وأول الاستثناءات هو (موظف الدولة) حسب البند الأول من تلك الفقرة، وموظف الدولة أو موظف القطاع العام تم تعريفه على أساس أنه الموظف الذي تم تعيينه على حساب الموازنة العامة للدولة.. لذلك فإن القانون المذكور؛ وحسب هذا التعريف لا يعتبر موظف (المياومة) في المؤسسات الحكومية الأردنية موظف دولة !!حتى لو مضى على تعيينه أكثر من 20 عاما، نقول أنه لا يمكن اعتباره موظف دولة ويتم حبسه، وتخريب بيته وتبديد أمنه الاجتماعي وتفسيخ عائلته وقذفهم الى المجهول، علاوة على ضياع وظيفته،حيث هو (بالأصل وحسب التعريف القانوني الإصطلاحي المذكور) محروم من كثير من الامتيازات والحوافز والحقوق الوظيفية ،لأنه موظف (بالمياومة).. فهل نلاحظ الخلل الصارخ؟!!.
من البديهي وفي ظل مثل هذه الظروف الاقتصادية أن يتنازع الناس قضائيا،ومن الطبيعي أن تتمتع الدولة الأردنية بحزمة من القوانين الناظمة لشؤون رعاياها وغيرهم على الأرض الأردنية،وكذلك من نافلة القول أن أكثر الناس معرفة بالقوانين وأثرها على الحياة العامة والخاصة هم منتهكوها من لصوص ومجرمين بالإضافة (بطبيعة الحال) الى "المحامين"، وكلهم يمثلون أمام القضاء الأردني النزيه، لأخذ رأيه وتطبيقه صونا لكرامات الناس، وحفظا للمجتمع وتحقيقا لروح العدالة الأردنية..كل هذا طبيعي وبديهي، لكن أليس من البديهي كذلك أن (نستوعب) التوجهات الأردنية التي تعلنها الدولة الأردنية من خلال (رأسها) وغرة شرفها، أعني الملك؟!، لقد طلب الملك من الحكومات والسلطات الأردنية المكونة لجسد الدولة ،طالبهم جميعا وفي غير مناسبة بسن تشريعات حديثة، قادرة على استيعاب المتغيرات الأكثر تحديا وحداثة،وليس أدل على ذلك تضمين خطاباته الملكية وجوب ( إعادة نظر) في بعض التشريعات والقوانين،كقانون المالكين والمسأجرين وقانون السير وغيره الكثير من قوانين الاصلاح السياسي والنزاهة الوطنية..
إذا؛بأية خانة يمكن تصنيف حماية مثل هذه الطبقة الاجتماعية؟ وتلك الأسباب التي استند اليها المشرع (المنفذ) واطمأن لسلامتها،والتي دعته لاستثناء موظف الدولة من عقوبة الحبس،لماذا لا تنطبق على موظف المياومة؟! فهل وظيفته التي يقوم فيها بنفس واجب زميله وفي ذات المكان تعتبر سببا جرميا (مضافا) لسجنه وتبديد أمنه وتضييع مستقبل عائلته؟!هو سؤال نطلقه على وجه السرعة للسلطة التنفيذية (الحكومة)، وننتظر إجابة من وزير (تطوير) القطاع العام ،كما ننتظر أيضا وجهة نظر وزير العدل في هذا، وكذلك وبدرجة لا تقل أهمية ننتظر (رأي)السلطة القضائية الأردنية، فالمعلوم أن للقضاء سلطة (تقديرية) واسعة تنطلق من روح تحقيق العدالة الأردنية بتحصيل حقوق الناس والمحافظة عليها نعم،لكنها تنطلق قبل ذلك من حقيقة ضرورة الحفاظ على أمن وسلامة واستمرارية حياة كل مكونات الدولة الأردنية التي يحتل الإنسان قمتها.
القضية التي نتحدث عنها هنا هي معنوية إنسانية بالدرجة الأولى، ذات أبعاد خطيرة على البنيان الاجتماعي، خصوصا في ظل هذه الظروف من قسوة الحياة وتعقدها، فمثل هذا المواطن؛ هل تحميه الحكومة استنادا الى (حكمة) التوجهات الملكية الداعية بضرورة تعزيز الأمن الاجتماعي؟ هل يشمله (تطوير) القطاع العام وتحسين أدائه لاستيعاب الجديد من مثل هذه التحديات؟ هل تسعفه شهادته الجامعية بأن يتم (تثبيته) مثلا، أو اعتبار حالته المتكرره الحدوث في (طبقته الوظيفية) تستحق " الاستثناء " من شر "ذكاء الأذكياء" ؟! هل يأمن على نفسه ومستقبل أهله من غدر الظروف؟! كلها أسئلة تحتاج لإجابة بل (لإسعاف) من نفس بشرية أردنية ..تتلمس وتنتهج الطريق الهاشمي في الحفاظ على أبناء الوطن..فهل من مجيب؟!!.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
02-08-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |