11-11-2014 11:47 AM
سرايا - سرايا - ثمن كتّابٌ ومثقفون جهود الدكتورة رناد الخطيب المتواصلة في العمل الثقافي والتربويّ والتطوعي وحفاظها على التراث، مستذكرين مطلع الألفية الثالثة حين تسلّمت رئاسة اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، وجعلت منه شعلةً ثقافيّةً في توقيعها الاتفاقية الأهم في تاريخه مع اتحاد كتاب الصين، عدا الاتفاقيات المهمّة مع كتّاب مصر، والمغرب، والبحرين.
كما استذكروا، في حفل تكريمها أمس الأوّل في المركز المجتمعي المسكوني(الخيمة)، اشتغالها الدؤوب، وهي تضع النقاط على الحروف، في رعاية اتحادٍ لم يكن ليقف على رجليه بعد، أو هو يحاول أن يضع بصمةً له في ظلّ التنافس التاريخي بينه وبين الهيئات الأخرى في تمثيل المشهد الثقافي الأردني في الداخل والخارج، وقالوا إنّ الخطيب اليوم، وهي تحظى بكلّ هذه الذكرى الطيبة في إدارة العمل الثقافي والتربوي، صنعت من نفسها مؤسسةً ثقافيّةً بحد ذاتها، لما عُرف عنها من مراسٍ في هذا المجال، وعزيمةٍ وهمّة تؤهّلها لأن تمثّل الأردن دبلوماسيّاً في الشأن الثقافي العربي أو العالمي، متسائلين عمن هو أولى من المثقفين ليكونوا سفراء للإبداع بين أرجاء الوطن العربي الكبير أو في رحاب هذا العالم الوسيع.
واحتفى الحضور بالخطيب التي كتبت في مواضيع التيارات السياسية الأردنية والميثاق الوطني وقانون الأحزاب وفي نهوض المرأة الأردنية، ودُرّست كتبها وكتبت للطفل في مناهج التربية والتعليم، وكانت رئيسة الرابطة الوطنية للتربية وتعليم الأطفال.
كما أعربوا عن تقديرهم للخطيب التي تشغل اليوم مستشارة منظمة الأسرة العربية في الأردن، ورئيسة الهيئة الأردنية للفنون الشعبيّة، ومستشارة اتحاد المؤرخين العرب، وقرأوا معاني وفائها لوالدها الراحل مربي الأجيال يوسف الخطيب، ووقفوا على مكتبتها الغنّاء بالكتب والمخطوطات التي تصلح مجالاً للمقارنة واستذكار كلّ ذلك الألق والإبداع لجيل الروّاد وصنّاع الثقافة والفكر في الأردن.
أعربت الخطيب عن تقديرها لحضورها المخلص للمشروع الثقافي في يوم تكريمها، الذي رعاه أمين القدس الحاج زكي الغول وأدارت فقراته الإعلاميّة إيمان ظاظا، مقدّمةً شهادةً إبداعيّةً تناولت فيها انطلاقتها إلى عالم الثقافة والعمل التربوي وعصاميتها في تحصيل الشهادة وصبرها في إدارة المؤسسة الثقافيّة وفتحها باب التواصل بين الكتاب الأردنيين والعرب وكتّاب العالم، مستعيدةً الأيام الأولى في الدرس وطموحها الذي كان يتوقّد بلا حدود.
ذكريات الإبداع
استعادت الخطيب تأثير والدها مربي الأجيال يوسف الخطيب الذي رحل عن الدنيا في ستينات القرن الماضي، مؤرخةً لرحيله برحيل الشهيد هزاع المجالي، ووجدت الخطيب أنّ والدها الذي كان يحثّها على الاستمرار والمضيّ في المشروع غادر الحياة، براتب تقاعدي، اضطرت معه أن تساعد والدتها، وخمسة ذكور وبنتاً، في تجارة القماش وخياطته، مستذكرةً سوق منكو ووسط البلد وعائلات تبادلت معها التجارة، ليكبر الأخوة ويستقلوا في تلاع العلي، وفي السياق استرجعت الخطيب جبل النصر والبيت الحنون الصغير الذي بناه والدها يوسف فوق سكّة الحديد وما يزال مأهولاً، مستذكرةً عائلات ذلك الزمان، وأطياف الرحلة اليومية، وكثيرٌ منها على الأقدام، إلى مدرسة الزبيدية الثانوية في الهاشمي، لتقف عند الحدث المهم جداً مع الملك الإنسان الراحل جلالة الملك الباني الحسين بن طلال، مبيّنةً أنّها من عشقها للإذاعة المدرسية حصلت من والدها الشاعر على قصيدة لتقرأها عن الحسين، مفتخرةً بأنها من عائلة محبّة للهاشميين بالوراثة، ليتصادف إلقاء الطالبة التي لم تتجاوز (الإعدادي) مع تحليق جلالة الحسين بطائرته على مسافةٍ قريبةٍ جداً منها وهي تعتلي كرسياً على طاولة تقرأ القصيدة، وهي ذكرياتٌ قالت عنها إنها عذبة تشهد عليها معلماتها منوّر الغصين ومكرم قندور وإلهام خورما ولميس عثمان، وغيرهنّ، لتدخل الخطيب مرحلةً جديدةً قالت بشأنها إنّ إنعام المفتي التي كانت تحتلّ موقعاً رسمياً اجتماعياً كبيراً كانت سبباً فيها، إذ زارت المدرسة وأعلنت عن دار معلمات لتدريب الفتيات في الطيرة لوكالة الغوث براتب شهري، وهو ما شدّ من عزم الخطيب لتنتظم فيها ثلاث سنواتٍ في المرحلة الإعداديّة لتدرس بعدها الثانوية في الدوار الأول بجبل عمان في المدرسة العربية، فتسجّل في جامعة بيروت العربية لتبدأ الرحلة الحقيقية في التعليم، فترتبط برجل الأعمال أمين عيّاد، مشترطةً عليه أن تكمل مسيرتها في دراسة اللغة العربية هناك، فتعود إلى الجامعة الأردنية لتكمل الدبلوم والماجستير، وكانت في نهاية الستينات تعمل مدرسةً في مدارس بعمان تتبع وكالة الغوث في الجوفة والنزهة، فتؤسس في نهاية السبعينات مدارس دار الحنان حضانةً ثمّ مدرسة قالت إنّ كثيرين تخرجوا منها ممن هم في مناصب مهمّة وحقول ناجحة في الحياة.
اتحاد المؤرخين
قالت الخطيب إنّها ممن يعشقن الحياة ويحببن العمل الاجتماعي والناس، فاتجهت لذلك إلى الرابطة الوطنية للتربية وتعليم الأطفال، عضوةً فأمينة سرّ فرئيسة لخمسة عشر عاماً، مثّلت خلالها الرابطة في تونس وبلدان كثيرة في القاهرة والخليج.
وقفت الخطيب عند مرحلة مهمّة كانت سبباً جمعها باتحاد المؤرخين العرب، عقب أحداث العراق والكويت، مبيّنةً أنّ العراق كان انقطع يومها عن الأمّة العربية، فبادرت بمؤازرة اتحاد المؤرخين العرب الذي كان مقره بغداد، ففتحت لأعضائه بيتها ومستلزمات العمل، بل قامت بطباعة مجلة المؤرخ ومراسلاتهم، لتكون بناءً على دعوتهم مستشارة لهذا الاتحاد الذي أصبح آنذاك له في عمان مكتب يمنح الشهادات.
منظمة الأسرة العربية
تحدثت الخطيب عن منظمة الأسرة العربية التي هي عضوٌ في مجلس إدارتها ومعتمدة من جامعة الدول العربية، ومقرّها تونس ويرأسها فخرياً حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، فيما يديرها جمال البح، وأمينتها التونسية هدى بنت يوسف، مبيّنةً أنّ لهذه المنظمة أهدافاً كثيرةً ومهمة تختص بفقر وعوز الأسرة العربية في أحداث الحروب والهموم المجتمعية في سوريا وفلسطين والسودان والمجتمعات المنكوبة، وقالت إنّها تفتخر أن تمثّل الأردن في هذه المنظمة العريقة.
اتحاد الكتاب
عن اتحاد الكتاب، قالت الخطيب إنّها جايلت تأسيسه سنة 1987 وكانت عضوةً فيه، وسبقها إليه روكس العزيزي وهاني العمد وآخرون، مبيّنةً أنّه كان يعاني أوضاعاً صعبةً ومزرية، وأنها تدرجت فيه في تسعينياته وخلال ألفيته الأولى فأصبحت رئيسته، لتطوي صفحةً من يأس هذا الاتحاد وضعفه وفترات الضياع الطويلة فيه، فكان أن أقامت اتفاقيةً مع اتحاد كتاب مصر على صعوبة ذلك، فكانت الاستضافات متبادلة، وبدأ الاتحاد ينهض ويشتدّ عوده، لتتوسع الاتفاقيات مع كتّاب الصين، ليكون اتحاد الكتاب بذلك أول هيئة ثقافية أردنية يقيم مع الصينيين اتفاقيّة تبادل ثقافي، فتستمر الزيارات والتعارف، وهي الاتفاقية التي ما يزال اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين يتفيّأ ظلالها في جوٍّ من التبادل والتعارف.
الحفاظ على التراث
قالت الخطيب إنّها أسست اتفاقيّة (فاس سايس) بمدينة فاس بالمغرب التي يتم التزاور الإبداعي على أساسها، لتتوسع الاتفاقيات أيضاً مع البحرين بتنسيق مع الشاعر الكاتب علي عبدالله خليفة الذي قالت إنّها فعّلت معه أسبوعاً ثقافياً مع بلاده بالتناوب. وأعربت الخطيب عن أسفها لضياع كلّ هذه الاتفاقيات بعد أن جاء رؤساء جدد للاتحاد، فلم يتبقّ منها غير اتفاقيّة مع كتّاب الصين، وهو ما وجدته محزناً ومؤلماً غاية الإيلام.
قالت الخطيب إنّها نسّقت قبل سنوات مع البحريني علي خليفة لأن تُقام في عمان هيئة تعنى بالفنون الشعبيّة الأردنية، فكانت الهيئة الأردنيّة للفنون الشعبيّة بعضوية أساتذة مختصين ومن كافة المحافظات، ليقام الملتقى الأوّل للتراث من ضمن أعمال الهيئة، وهو الملتقى الذي رعاه سموّ ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله سنة ألفين وعشرة، ولقي إقبالاً ونقاشاً متخصصاً من كفاءات من أمريكا وروسيا وسويسرا وإسبانيا وأندونيسيا والنمسا وكثير من الدول العربية.
وأعلنت الخطيب أنّها ستقيم هذا الملتقى في دورته الثانية قريباً، واعدةً كلّ من يريد المشاركة فيه أن يتقدّم سواء كان فرقةً أو باحثاً، وهو ما تجده عملاً وطنياً يجب أن تقف إلى جانبه كلّ المؤسسات والوزارات المعنيّة بالتراث.
اتفاقيات الثقافة
وألقت الخطيب نظرةً مع جمهورها على أرشيف مصوّر ضمّ أدباء ووزراء ثقافة وأكاديميين وزملاء روابط واتحادات عربية وعالمية، لتعرب عن تقديرها لكلّ من يخدم بلده بالثقافة، مبيّنةً أنّها كانت تراسل مجلة الرائد العربي التي كان يرأس تحريرها الراحل الأديب راضي صدوق، وهي طالبة دكتوراة في مصر، فالتقت بأدباء وشخصياتٍ فنيّة عريقة هناك.
ألقى الشاعر محمد سمحان قصيدةً في الخطيب، أعقبه حديثٌ مطوّل عن معرفته بإصرارها وعزيمتها وجديّتها في التحصيل العلمي ووقوفها إلى جانب اتحاد المؤرخين العرب، وإسهامها في اتحاد الكتاب الأردنيين ومساعدتها للأدباء في طباعة كتبهم والتعريف بمنتجاتهم. ومما قال: (إذا ناديتها تشتمّ عطراً/ يفوح من اسمها وشذىً يطيبُ/ حروفٌ أينعت مجداً ونصراً/ وهل كالغار إكليلاً تصيبُ/ رنادُ وتحمل الأنسام ذكراً/ وإن نُمِيتْ فمحتدها الخطيبُ).
شهادات تربوية
وبصفته مدرّساً لها في الخامس الابتدائيّ في المدرسة التي كان والدها يوسف الخطيب مديراً لها، ألقى الدكتور محمود عبده فريحات قصيدةً مطعّمةً بالمحبّة واستذكار كلّ تلك الأيام والسنين، نافضاً عنه ركام العمر لتنثال أمام عينيه الذكريات والأطياف، فيقول في قصيدة (ما قيمة الدنيا بغير نساء): (هذي هي الدّنيا وإنّ نشيدها// لا خير في الدنيا بدون نساءِ/ إنّ النساء لنصف أمّتنا يداً// والنصف دون النصف رجع غثاء/ لولا النساء وفضلهنّ فما الدّنا/ هذي وما الدنيا بلا حوّاء/دنيا وإنّ عمادها بثقافةٍ// ورناد فيها أنهر الإعطاء// هذي رناد وهاهنا أردنّها// وشهادة الأبرار والشرفاء).
بدوره كان رحّب راعي المركز المجتمعي المسكوني القس سامر عازر بالأديبة الكاتبة المكرّمة، مبيّناً خطّة المركز في حفاوته بالمبدعات والمبدعين الأردنيين والعرب، معرباً عن تقديره لحضوره، متحدثاً عن الثقافة الحزينة والمصلوبة في المجتمعات، والحاجة إلى نوافذ القراءة الذكيّة والابتعاد عن التلقين، مقدراً للخطيب خدمتها الثقافة الأردنية والعربيّة والفنون الشعبية.
كما ألقى أمين القدس الحاج زكي الغول بصفته راعياً للحفل كلمةً موجزة أعرب فيها عن تقديره للكتّاب، وللخطيب زميلته في الهيئة الأردنية للفنون الشعبية، متنافذاً في كلمته على ما يحلّ هذه الأيام بديلاً للكتاب في أدوات الحروب والكفاح.
وفي الحفل، الذي قدّم فيه كاتب السطور فيلماً مسجلاً بصوته عن جهود الخطيب وسيرتها الغنيّة، كرّم عازر الدكتورة الخطيب بدرع المركز، على أنغام مغنّاة (زهرة المدائن) التي أدّاها الفنان عضو اتحاد الكتاب المنسّق الفني للاحتفالية الأديب الشاعر صائب القاضي، في ظروف أعادت الحضور إلى ذلك الزمن الأصيل الذي كانت الكلمة فيه تحمل كلّ ذلك الإحساس.
أنموذج المرأة.
كما ألقت الزميلة الإعلاميّة عريفة الحفل إيمان ظاظا بين الفقرات قطعاً معبّرةً من الأدب كتبتها في الدكتورة الخطيب، قالت في جزءٍ منها: ( سيّدة الحفل هي سيّدةٌ من صنع التحدي، ولو كان نابليون بونابرت حاضراً بيننا لقال إنّ وراء كلّ عملٍ عظيم امرأة عظيمة كالدكتورة رناد الخطيب،.. نفتخر حقّاً بسيّدة الحفل، فهي نموذجٌ للمرأة الأردنية والعربيّة.. سيّدة إذا حملت الورد عطّرته.. نجتمع من هنا بالمحبّة والفخر لنكرّم سيدة جميع الأشياء وقد سجّلت حضورها في الأدب والثقافة والتربيّة وحتى الفن...).
وكان داخل في حفل التكريم، الذي وزّعت فيه الخطيب نُسخاً من كتابها (عمان في عيون الشعراء)، ونسخاً من مجلة المؤرخ العربي، ومجلة الثقافة الشعبيّة، إعلاميّون ومثقفون وأدباء، منهم: الدكتور بكر المجالي، والدكتور عبد الفتاح البستاني، والدكتور فيصل غرايبة، والدكتور محمد سعيد حمدان، والدكتور مهدي العلمي، وشاكر حداد، ومصطفى الخشمان، وسامي حدادين، وخليل مطر، وعاطف عبدالعزيز، وحملت كلماتهم احتراماً وتقديراً لمشوار الخطيب وبصماتها الواضحة في المؤسسة الثقافية والتربويّة والتطوّعيّة، وذكرياتهم مع نجاحها وجملة الاتفاقيات التي رسّختها لاتحاد الكتاب، مباركين لها رئاستها الهيئة الأردنيّة للفنون الشعبيّة وكونها عضو مجلس إدارة منظمة الأسرة العربيّة.