19-11-2014 10:49 AM
سرايا - سرايا - تنتمي مسرحية «خيل تايهة» القادمة من الخليل الفلسطينية والمشاركة في تظاهرة الدورة الحادية والعشرين لمهرجان المسرح الأردني إلى حساسية جديدة في الحراك المسرحي الفلسطيني تتأسس على نصوص من محمولات قصائد الشاعر الراحل محمود درويش.
وتنهل تلك العروض من نصوص ما بعد حصار بيروت المتخففة تماما من الإيديولوجيا، وتحفر في مناطق أخرى مغايرة، بعيداً عن الخطاب الثقافي والسياسي السائد، وهي قصائد تجلت في: «ذاكرة النسيان»، و»أرى ما أريد» و»الجدارية»..
اختيار النص جاء ضمن موجة هذه الحساسية الجديدة للمسرح الفلسطيني وجمالياتها، لتعبر عن (مجتمع فلسطيني مدني) كمقاومة أخرى لهذا الاحتلال، وهو ما برز في طائفة مهمة ورئيسة من النتاجات، أخذت تسود الحراك المسرحي الفلسطيني، سواء من انتاج المسرح الوطني الفلسطيني، والقصبة، وعشتار، وسرية رام الله، والحارة، وسفر، وفرقة المسرح الشعبي، ومسرح «نعم» الذي قدم «خيل تايهة، التي تبين بأن الشعب الفلسطيني أيضا ليس فقط يُحسن مقاومة الاحتلال المباشر، وإنما يحرص على الحفاظ على أسس حياته في ظل الإحتلال.
أكدت مختلف سياقات المسرحية أن الشعب العربي في فلسطين تحت الإحتلال يمتلك مجتمعا تعدديا في شرائحه تمور فيها حكايا تعكس ثراءه الروحي والاجتماعي والاقتصادي، وتواجه الاحتلال الذي يسعى دائما إلى تذويب المجتمع الفلسطيني، بإبعاد شرائحه عن مزاولة الحياة الإنسانية في سائر ابوابها كالتعليم، والزراعة، والتجارة. ويجيء إطار الشكل المسرحي جمالياً بعيدا عن الصراع المباشر مع الاحتلال، ليس «لبذخ فني»، أو «لضرورات الدعم الأجنبي»، وإنما للضرورة الفكرية والجمالية؛ ففي متن النص يتم الإضاءة على شرائح مهمشة عموما، ك»الشوايا» الذي عرفهم ابن خلدون قديما بأنهم العرب الذين يربون السائمة.
وتحكي القصة التي كتبها الشاعر والكاتب الدرامي السوري عدنان العودة مصائر شخوص وجدت نفسها وجهاً لوجه مع قسوة الطبيعة والتقاليد، إلا أن هذه القسوة لم تُطفئ شعلة الحب في قلب (تايهة) ولمن أحبه قلبها زوجها، رغم موته بطلقة طائشة على هامش صراع عائلات، إلا أنها تنجب منه بنتا بدلا من الولد المتوقع، فتسميها (خيل).
عبر استخدام تقنية الرجوع بالأحداث لتفسير المصير التي آلت له (خيل)، ترصد أحداث النص الدرامي الترحال من شمال الفرات إلى جنوب الشام ثم دمشق، ويبرز في أحداث هذا الترحال رحلة (واقعية سحرية) تقوم بها (تايهة) الطفلة البدوية جسدتها ريم تلحمي، تبدأ بذهابها لتستعير مشط شعر الرأس لأمها من بيت الجيران، لتأخذها العاصفة الرملية إلى الريف، ثم إلى الشوايا.
كما عبرت المقترحات الإخراجية لإيهاب زاهدة عبر طرح الفضاء غنائيا راقصاً كانت، زادتها جمالا شخصية تلحمي (خيل) في الأداء والغناء التي أضافت للمسرحية زخماً تعبيرياً إلى جانب محمد الطيطي، ورائد الشيوخي، وياسمين همار، وحنين طربية، وفق عمل جماعي متناغم.
وجاءت ادوار الممثلين أداءً وصوتاً في إنشاء الشخوص الجذابة تعبيريا للمشاهد، لجهة إبراز العواطف الجياشة التي كانت تمور في صدورههم سواء في إظهار التناقضات في الشخوص المقارنة، والمدى الواسع الإنساني لمزاج الشخوص كما في شخصية سايس الخيل(هويدي) والأستاذ (محمد)، و(تايهة) وإظهار ردود الفعل على مواقف الشخوص الاخرين.
واضفت قطع الخيش التي غطت الكتل التي جاءت خلف أداء الممثلين أضفَت قيمة جمالية بوجود فضاءات بيوت البدو، بينما عمقت جماليات الأزياء بنقوشها وألوانها التي صممها حمادة عطالله الفضاء السينغرافي للمسرحية ، كما لعبت موسيقى وألحان سعيد مراد في مُعاضدة مختلف الأغاني المفادة من الموروث الشعبي التي قدمت (حية) من نور الراعي.