24-11-2014 11:22 AM
سرايا - سرايا - ما يميز المخرجة سوسن دروزة، في عملها المسرحي إشراكها أكبر قدر ممكن من المختصين في إنشاء النص، وجعل الممثل شريكا لها في رؤية تصميم دوره، وإن دل هذا على شي إدراكها أن المسرح عمل جماعي، وليس فرديا، فكثير من المخرجين المبدعين يتلاشى معمار الشكل المسرحي في عروضهم لأنه ينوط بنفسه بفعل كل شيء في العرض.
توافرت أسس النجاح للمسرحية المشاركة في مهرجان المسرح الأردني «ونحن نسامح»، التي أعد نصها نجيب نصير، التي قدمت أول من أمس على مسرح محمود أبو غريب.
جاءت قوة (المدلول) من المعاني، المؤثرة لدى المتلقي بفعل صدق الرسالة التي مفادها، أن المواطن في العالمين العربي والإسلامي، أصبح يعيش مع شخصية ثانية لصيقة به وهي (الخوف)، وبخاصة من سلاح سلطة الاقتصاد والسياسة؛ وهي الاجهزة الأمنية، بحسب تواصل المشاهد مع المسرحية، هذه الأجهزة التي تستنزف دائما أموال دافعي الضرائب.
ظهر (الدال)، في سياق تطور الاحداث، شخوصا منهوبة للخوف والفزع عبر الأداء الذي نحا التعبير في جانب كبير منه نحو السريالية، هذا الأداء البارع للشريكين في صياغة نص العرض مع دروزة، لأحمد العمري (الشخصية الساعية للإنتقام) والحاكم مسعود (ذات تلك الشخصية أو وجهها الاخر).
في الجزء الأول من العرض الذي ادرك المتلقي أحداثه، بحضور المتضادات (الانتقام/ المسامحة)، لتكون لغة الممثلين الجسدية؛ علامات بصرية سمعية؛ بأداء تقنية أجسادهما ومن جهة ثانية الإيماءة وتعابير الوجه بمختلف توصيفاتها، وخصوصا في مشهد «اطلاق تعبيرات الإنتقام بفعل أداء أحمد العمري الموحي الفعل الداخلي فيها بإوضاع موحية بانحطاط الإنسانية، نتيجة الأذى النفسي الذي لحق به من ضرب جارهم له. أما البناء السمعي طرح الموسيقى والمؤثرات الصوتية، تأليفا وعزفا من قبل طارق يونس، الذي حاكى شعور المشاهد في تفسير وتأمل حجم المأساة المروع لهذه الشخصية المقهورة، والتي ظهرت ضحية استبداد السلطة السياسي والاجتماعي، وتارة أخرى جاء هذا العزف الحي عنصرا دراميا مشاركا في الأحداث نفسها، لا بل موسيقى تصويرية للحدث، وتارةً ثالثة مُسهمة في ضبط إيقاع هذا العمل.
كانت ذروة الشد والتوتر الدرامي في هذا القسم من العرض هو عندما كانت الشخصية الساعية للانتقام (الضحية) على وشك نحر الشخصية (الجلاد) تراجعت بآخر لحظة، حيث قررت المسامحة، و عادت بعدها شخصية هذه الضحية إلى عاداتها الطبيعية بالحياة وبخاصة زوال شعور الخوف.
في الجزء الثاني الذي قدم بنفس جماليات تقنيات وإيقاع الجزء الأول، جاءت رسالة أخرى عنوانها يتمحور، كما طرحتها المسرحية، ب(الشخص الواحد والحاكم الواحد، والجماعة الواحدة، وشعب واحد لا شعبين). ولكن أحداثها كانت أكثر دموية كرؤية جماعية للمجتمعات العربية، لما يحدث في دولها المشتعلة من فتن طائفية، واستبداد داخلي، وتدخل أجنبي سافر، واستعراض هائل لكم القتلى والجرحى وتدمير المدن العريقة؛ عبر عن ذلك الحجم الكبير للون الدم على ازياء الملابس والفضاء اللوني لمشاهد هذا الجزء، بإضاءة فراس المصري.
وكانت تلك المعطيات، طرحت وحُملت على أبنية حكاية بحث (الأب) أحمد العمري والشخصية الأخرى (ذاته) عبر الحاكم مسعود، عن ولديه، الذي يجدهما من ضمن ضحايا القتل المجاني في ساحات القتال الحالية في تلك المجتمعات العربية.
حضور جماليات المكياج الذي وضعته كارينا طباع للمثلين والراقصين: محمد زكريا، وخليل صبحي، وعمار أبو شاويش، والإكسسوارات والدمى تناغم مع مفردات العرض الذي أسهم فيه فريق المعمل 612 للإنتاج: عمر الطراونة ومحمد الصالحي، ومساعد مخرج كرمة سوريكي. ومساهمة فنية إيهاب الخطيب.