29-11-2014 10:13 AM
سرايا - سرايا - من أراد زيارة مدينة اسطنبول فيجب عليه المرور أولا بمنطقة الفاتح، التي تقع في القسم الأوروبي من المدينة التي تجمع بين قارتين، وتضم معالم أثرية كثيرة أهمها سور "أديرنا كابيه" والذي شهد دخول جيوش السلطان محمد الفاتح للمدينة عام 1453 ليعلن سقوطها بيد المسلمين بعد محاولات لفتحها استمرت قروناً، ولهذا تضم هذه المنطقة (مسجد الفاتح) الذي يضم مقام السلطان محمد الفاتح الذي قضى على الإمبراطورية البيزنطية، ويعتبر أحد أجمل المساجد في المدينة.
إقبال السوريين على منطقة الفاتح
اتجهت مئات العائلات الدمشقية للسكن في منطقة الفاتح لقربها من طبيعة وأجواء دمشق القديمة حيث أشار رامي أنه قبل الخروج من سوريا كان يسكن في منطقة (أبو حبل) في حي الميدان الدمشقي الشهير، وعند مجيئه إلى مدينة اسطنبول اختار السكن في الفاتح لما فيها من ملامح كثيرة تتشابه في أجوائها مع حارات دمشق القديمة مثل سوق البزورية والحجار القديمة التي تملئ الشوارع إضافة لوجود العديد من المطاعم السورية.
وأضاف رامي: "نتيجة إقبال أعداد كبيرة من السوريين والدمشقيين على منطقة الفاتح أصبح من الصعب العثور على منزل للأجار والأسعار ارتفعت بشكل كبير عما كانت عليه، فالبيوت تتراوح أجاراتها بين 1200 إلى 2000 ليرة تركي وهذا يعتبر غالي جدا مقارنة بالمناطق الأخرى في اسطنبول".
في حين أشارات أم جاد أنها فضلت السكن في منطقة الفاتح لقربها من أهم الأسواق والمواقع في المدينة مثل السوق المصري ومنطقة أمانينو، فالفاتح تشبه إلى حد كبير في طبيعتها وأهمية موقعها منطقة الجسر الأبيض في دمشق حيث لا تحتاج إلى ركوب المواصلات للوصول إلى مناطق كتقسيم وأكسراي وتوب كابي وغيرها من المناطق الهامة فما عليك إلى المشي لمدة 10 دقائق أو ربع ساعة للوصول إلى غايتك.
وتابعت أم جاد: " تعتبر الفاتح من المناطق المحافظة في اسطنبول ويوجد بها أعداد كبيرة من المساجد وهذا يعد مطلب أساسي لتربية أطفالي على أساس ديني صحيح، عكس باقي المناطق في اسطنبول والتي تختلف عاداتهم وتقاليدهم وحريتهم في أمور كثيرة عما تربينا عليه في دمشق لذلك تعد الفاتح مكان مثالي لإنشاء عائلة".
مسجد الفاتح تحفة معمارية
يعد مسجد الفاتح بناءً دينياً واجتماعياً في آن واحد، حجمه وتركيبه لا مثيل لهما، وقد بني بين عامي 1463 و 1470 بأمر من السلطان محمد الفاتح، في موقع كنيسة بيزنطية قديمة كانت قد دمرت وخربت منذ الحملة الصليبية الرابعة، وقد بنى هذا المسجدَ المهندس المعماري عتيق سنان.. أحد أبزر معماريي الدولة العثمانية.
ويوجد حول مسجد الفاتح مجموعة من الأبنية المشيدة بتخطيط مبدع وتشمل مدارس، ومكتبة، ومستشفى، ونزلا للمسافرين، وكاروانسرا (بيت للمسافرين)، وسوقا، وحماما عاما، ومدرسة ابتدائية، ومطبخا عاما كان يقدم الطعام للفقراء، وقد أضيف حوله العديد من القبور أو المقامات فيما بعد، وقد بني البناء الأصلي على شكل مربع، طول ضلعه حوالي 325 مترا يمتد على طول منطقة القرن الذهبي.
تعرض المسجد الأصلي لضرر بالغ بسبب زلزال عام 1509، ولكنه أُصلح بعد ذلك، ولكنه تعرض للضرر مرة أخرى بسبب الزلازل في عامي 1557 و 1754، وأصلح مرة أخرى، ثم تعرض المسجد لزلزال دمره بالكامل في الثاني والعشرين من شهر أيار عام 1766، حيث انهارت القبة الرئيسة وتحطمت الجدران بشكل لا يمكن إصلاحه. أما المسجد الحالي فقد بني على أساس مخطط مختلف تماما عن المسجد الأصلي، وأنهي بناؤه عام 1771 في عهد السلطان مصطفى الثالث.
وعند مرورك في ساحة المسجد تشاهد العديد من العائلات السورية تجتمع وتتبادل الأحاديث فيما بينهم وكأنهم يسترجعون ذكريات المسجد الأموي في دمشق، وهذا ما أكدته أم محمد من مدينة دمشق والتي أشارات أنها تجتمع بشكل يومي مع عائلات دمشقية داخل المسجد لحفظ القرأن وحضور دروس دينية وعند الانتهاء نخرج إلى أحد المطاعم السورية المتنوعة الموجودة في محيطه لتناول الوجبات الدمشقية الشهيرة مثل الفول والتسقية والأشش في أجواء تعيدنا بالذاكرة عما كنا نفعله في أحياء دمشق القديمة على أمل العودة إليها قريبا.