04-12-2014 03:45 PM
بقلم : م. هشام القضاة
هل للإنسان القدرة على رؤية الحقيقة والتعامل معها ،هل جدار منزلك حقا كما تراه أم هو شيء آخر،لنفهم مغزى هذا السؤال لا بد من تناول الحقيقة العلمية التي تقول أن معظم ما يكوِّن الأجسام فراغ وأن الجزء المادي فيها لا يتجاوز واحد من ترليون الترليون وأن الكتلة المادية للكرة الأرضية لا تتجاوز حجم البيضة ،اذا الذي نراه حين ننظر الى الجدار ليس الجدار فالجدار معظم معظمه فراغ ؛ان مانراه في الواقع هو جزء من الضوء الساقط على الجدار والمرفوض من قبله فينعكس الى أعيينا فنراه ممثلا للجدار ،ونصفه به ،والسؤال الآخر مادام معظم جسمنا فراغ والجدار فراغ لماذا لا نستطيع المرور من خلاله ،أن ما يمنع من ذلك هو فقط تنافر طاقة الربط بين ذرات جسمنا وطاقة الربط بين ذرات الجدار وليس اصطدام المكونات المادية لجسمينا ،من هنا نكتشف أن لا حقيقة لنا ولا لبصرنا ولا حقيقة لما حولنا وكل ما يحصل هو فقط عملية تفاعل بين اللاحقائق فينتج حقيقة الإبصار أو حقيقة التصادم،على مبدأ سالب ضرب سالب يساوي موجب ،أي بصر لا حقيقي يتفاعل مع جدار أو مشهد لا حقيقي يساوي منظر حقيقي نسبيا .هنا نستطيع أن نقول أن الإنسان ليس لحواسه القدرة على التعامل مع حقائق الأشياء ،لأن حواسه أصلا ليست حقيقية لكنه يتعامل ويستمتع بحقائق نسبية ،وهنا يجدر بنا ذكر قصة موسى عليه السلام عندما قال لله عز وجل {قال رب أرني أنظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا}آية 143 الأعراف فأنت يا موسى لا تملك بصرا حقيقيا، تماما مثل ما أن هذا الجبل الذي تراه عظيما ليس له حقيقة،لا يستطيع بصر لا حقيقي أن يرى الله الحق ،اذا نظر بصر لا حقيقي الى حقيقي تنتج لا رؤيا بل تلاشي للنظر ،وهنا ينبغي أن نسأل هل الإنسان كله لا حقيقي ،فنقول أن للإنسان روح وهي من أمر الله وهي بذلك حقيقة ومن خلالها نستطيع أن نرى كل شيء حولنا بنظرة مختلفة ونرى حقيقة اللاحقيقة وبدون تكلف ، وذلك ان احترمنا هذه الروح ولم نزهد بمتطلباتها فاننا حتما سنسموا بها نحو الحقيقة .
هذا ومن ناحية أخرى لو تفكرنا بما حولنا من أشياء و أشخاص لوجدنا أن قمة قوتها تكمن في قمة ضعفها وأن قمة ضعفها تكمن في قمة قوتها وبهذا فهي كلها ليست الا صفراً يتنقل من مكان لآخر ،فكن أيا من هذه الأصفار ان شئت و استعن بأي منها ان شئت.
لقد خلقنا الله لنتعامل مع حقائق نسبية وليست حقائق مطلقة ومهما بحث الانسان لن يصل إلى العمق المطلق في ادراك الحقيقة،و يتردد على ألسنة الكثيرين أن ما نراه ليس القمر بل القمر صخور و أودية وبيئة عدوة قاتلة ،بل عابوا على من شبه المرأة الحسناء بالقمر و اتهموه بالجهل ،وقالوا له لو تعلم ما هو القمر، أنا أقول أن ما تعلمه أنت عن القمر ليس الا حقائق نسبية وليست مطلقة ،وحقيقة القمر التي أراها وأنا على الأرض أيضا نسبية لا فرق بيننا ،وانا استطيع أن أقول لك لو تعلم أن تلك المرأة الحسناء من الداخل هي دماء وأحشاء وعظام ،ألم يكفيك الله رؤية هذه الحقيقة النسبية فرأيت بضعفك حقيقة نسبية أخرى أجمل وأمتع ؛فلم ترى الا الجمال الذي لا يشكل الا جزءا يسيرا من الحقيقة النسبية .إن ما يراه رائد الفضاء عندما يسافر إلى القمر ليس القمر بل جزء من القمر لأن المسافة التي تفصلنا عن القمر بما تحتويه من انكسارات وانعكاسات للضوء هي جزء مهما من حقيقة القمر النسبية حتى نراه بهذا الجمال ؛قال الله تعالى في سورة يس {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم } هل عاد الجزء الفضائي للقمر كالعرجون القديم أي العود اليابس(شكل الهلال) فلو كان الجزء الفضائي هو القمر لأصبح حتما كالعرجون القديم ،لكننا في الحقيقة ان ما نراه في الفضاء ليس الا أحشاء القمر أما الحقيقة النسبية فإن القمر ما يراه بدوي يمشي في الصحراء ،وان سألك أحدهم هل الأرض مستوية أم كروية فأجبه هي مستوية نسبيا و كروية نسبيا وربما نسبيا غير ذلك ولها حقيقة لا أعلمها لا أنا ولا أنت ،ثم لا يغرنك فوران جوفها فقد خلقت من عدم ولربما ما تزال عدم !! ..ومن باب النكتة وللفائدة أيضا لو افترضنا أن القطب الجنوبي أسفل الأرض ووضعنا تحتها ميزان فلا وزن لها فهل يعني ذلك أن كل ما عليها أثقل منها ؟!!!.
ينبغي للمؤمن أن يتعامل مع ما حوله بابتسامه سامية قائلا لنفسه أولاً: هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، ثم لما حوله : أعلم ما ومن أنتم، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين .
و أخيرا في سورة القارعة إشارة واضحة لاختفاء الأوزان الّا حقيقية وبزوغ موازين القسط قال تعالى {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} الأنبياء47 ؛يوم يكون الناس كالفراش المبثوث في خفتهم وقلة قدرهم ،وتكون الجبال كالعهن المنفوش فكيف بمن أقل منها قدرا من ناطحات سحاب وطائرات وغيرها مما يكبر في أنفسنا ، فأما من ثقلت موازينه وهي الموازين الحقيقية – موازين القسط ؛ اللهم اجعلنا واياكم ممن أثقل موازين قسطه يوم القارعة وما أدرنا ما القارعة .