04-12-2014 11:01 PM
سرايا - سرايا - يحتفي الشاعر الفلسطيني عامر بدران بإطلاق ديوانه الجديد «فوق عنق الغزال» الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عمّان، حيث يوقع ديوانه الشعري الرابع في السابعة من مساء اليوم الخميس في مسرح أسامة المشيني في جبل اللويبدة مقابل نقابة الفنانين، يرافقه الموسيقي الفلسطيني باسل زايد الذي سيغني عددا من قصائد الديوان مثل «أعرف مرضي» وأغنية «مرت دورية بالليل» إضافة إلى عدد من المقطوعات المؤلّفة خصيصا للقصائد.
ويرى بدران أن الشعر فن للقراءة وليس للاستماع، مستدركا « لكن وبما أنه فن فلا بد أن يحمل جانباً كبيراً من المتعة. هذه المتعة تحديداً هي متعة المتلقي لا متعة الشاعر. الشاعر يأخذ متعته من عيون مستمعيه وتمتماتهم. أما الشعر فلا يتغير. إنه يظل كما أقول دائماً» محاولة فاشلة لفهم الأشياء» إذ لو نجحت هذه المحاولة لما اضطررنا نحن الشعراء، لإعادتها كل يوم وكل دقيقة».
تبتعد قصائد الديوان عن الصورة الشعرية الفلسطينية المعهودة، التي تعكس صورة الفلسطيني المحارب للاحتلال، إذ يرسم بدران حالة شعرية احتفالية، تسعى لتكريس إنسانية الفلسطيني بعيدا عن الاحتلال، وعن خياره الطبيعي في أن يضعف ويعشق ويبكي.
ويقول بدران أن صورة الفلسطيني المعهودة كمحارب للاحتلال «هي تحديداً ما شكلت لدي محفزاً لا لكسرها بل لإكسابها عناصرها اللائقة» موضحا «الفلسطيني الإنسان، القادر على البكاء والعشق هو القادر على الوقوف في وجه الظلم ومحاربته، فما بالك إن كان هذا الظلم يمارس ضده هو. كما أنني اعتقد أن من يجب أن تخلو صورته من الأنسنة هو المحتل لا الواقع تحت الاحتلال.»
من هذا المنطلق جاءت قصائد الديوان ضمن التعريف الطبيعي للشعر كعنصر من عناصر الهوية الثقافية، بحسب ما يراه بدارن، ويتابع «لا أريد هنا بالطبع أن أحدد وظيفة أو مكاناً ما للشعر، بما هو منتج يسمو على التقسيمات ويتعالى على المناطقية، لكن شئت أم أبيت فإنك إن أردت كتابة شعر إنساني لا يعترف بالجغرافيا، فعليك أولاً أن تَعرف نفسك وتُعرّفها، وهذا لا يمكن الاشتغال عليه دون تعريفك لواقعك، وفي واقعنا هنا تطفو صورة الاحتلال وتسود.
ويشكك بدران في قدرة الشعرعلى محاربة هذا الاحتلال «لكنني أعرف أن بإمكانه خلق أدوات قادرة على محاربة الواقع وتغييره. من هنا أعتقد ربما، أن القارئ وجد نفسه في هذه القصائد فاحتفى بها».
تتراوح قصائد الديوان بين النثر والتفعيلة، وقصائد يكاد الإيقاع فيا يصبح غير محسوس في لحظة حتى وهو حاضر، ولعل ذلك يعيدنا إلى الجدل الدائر منذ زمن حول ما هو الشعر. ويفسر بدران «مع ميلي وانحيازي التام حالياً لقصيدة التفعيلة إلا إنني ارفض وبشدة أن يتم تعريف الشعر بناء على الشكل لا المضمون. بمعنى أن التعريف الكلاسيكي له ككلام موزون ومقفى فقد صلاحيته منذ زمن بعيد. وعليه فإن قصيدة التفعيلة شكلاً هي انعتاق جزئي من القافية والإيقاعات الكلاسيكية.»
ويناقش بدران « شخصياً أقف في هذا المكان وأفكر ملياً؛ هل عليَّ الانعتاق الكامل أم لا؟ لهذا تجدينني في حالة هروب مترددة من الإيقاع إن صح التعبير. دعيني أضرب مثلاً قاسياً لا يليق بالشعر: لقد نادت الماركسية بالتطور، لكن مقتل التجارب الماركسية كان هنا تحديداً، أنها لم تمارس ما نادت به هي كمبرر لاختلافها عن الأيديولوجيات الأخرى». بدران يرى أيضا أن دهشة الشعر أيضاً «تنبع من تطوره الدائم، لذا لا بد أن يطال هذا التطور الشكل والمضمون معاً، وإلا ظل الشاعر أسيراً للتكرار. لا أعرف إلى أين سيأخذني الشعر في ديواني القادم، فأنا ابنه وتحت أمرته لا العكس. وربما أجد نفسي وقد تحررت كلياً من الإيقاع وربما لا. لا أدري». يذكر أن بدران والموسيقي باسل زايد لهما مشوار فني طويل وثري بالأغنيات. ويرى البعض أن الأغنية تحقق ما لا تحققه القصيدة سواء بقدرتها على الوصول لجمهور أوسع أو بملامسة مشاعر أبسط، ويرى بدران أن هذا الاعتقاد صحيح، مبررا «نحن للأسف مجتمعات غير قارئة، وثقافتنا ثقافة سمعية بالأساس. لذا لا أنكر أن الفنان باسل زايد أضاف لي الكثير وأوصل شعري وتحديداً الشعر العامي منه إلى جمهور واسع من خلال هذا التعاون. لكن لي ملاحظة بسيطة هنا تتعلق بملامسة المشاعر الأبسط، حيث أنني لا أعتقد أن الشعر العامي يستهدف هذه المشاعر وإن كان يتحدث بلغتها. إنه شعر، وصعب أيضاً، وهدفه رفع ذائقة المستمع أو القارئ لا النزول عندها».
عامر بدران هو شاعر وطبيب فلسطيني من مواليد 1967، وهذا الديوان هو الرابع له بعد «ولم أر بدرا» «حين أتى» و»ظلي وحيداً» إضافة إلى ديوان بالعامية بعنوان «هم بكرة لبكرة».
وباسل زايد مغن ومؤلف أغان للقوالب الموسيقية العربية بالإضافة لكونه عازف لالة العود والبيانو، وساهم في تأسيس عدد من الفرق الموسيقية من أهمها فرقة «تراب»
وقد شكل بدران وزايد ثنائيا لسنوات طويلة، وأثمرت هذه الشراكة عشرات الأغنيات الموزعة في ثلاثة ألبومات. وهذه هي المرة الثانية التي يقدمان بها هذا العرض الشعري الموسيقي بعد استضافتهما من قبل متحف محمود درويش في رام الله في أكتوبر الماضي.
وقد وصفت الصحف الفلسطينية القصائد بأنها تمتاز ببنائها وانسيابيتها، وفي احتفاظها ببلاغة مرتكزة على المعنى لا على التلاعب اللغوي. أما في مضمونها فتسعى القصائد إلى التقاط الصور في جمالية الضعف الإنساني، من دون ادعاءات بطولية أو مثالية، فنجد العلاقة مع الأب والوطن والحبيبة والاحتلال تُرى دائماً من زاوية المتسائل لا المسيطر.