08-12-2014 11:10 AM
سرايا - سرايا - إذا كانت الرواية فن تحديث الممكن وتكسير نمطية الصورة، فإن هذا الفن يتخذ في رواية» ثقب في الجدار» للروائي الزميل بسام السلمان، الصادرة حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون»، مساراً جديداً في تلقّي المعلومة النمطية وإحالتها إلى بؤر غير قابلة للسكون، منذ حفرها الأول، وحتى إسدال الستارة على شرارة التكوين.
الرواية ومنذ صفحتها الأولى تشير إلى إمكانية الحذف، الذي يتخذ منه المؤلف صورةً لتقريب الشخصيات الغائبة، الشخصيات التي تتقاطع فيما بينها، لتشكل حاضناً فعلياً للرؤى، حيث تتصدر البيئة علامة التبويب للانتقال بين مساحات العمل والتي تدور أحداثه بين ضفتي النهر، فهو أي الراوي، يأخذ من الصورة النمطية إطاراً متعدد الزوايا، غير قابع في أتون الدلالة الواحدة، لأنه يعي أهمية أن تصل الرؤى إلى أبعد مدار تتطلع الشخصيات الروائية، وليست الشخصيات الحقيقة، إلى الالتصاق به، وتقديمه زمنياً، ماضياً، وحاضراً.
وفي سياق الدلالات التي تقدمها الرواية الواقعة في «96» صفحة من القطع الوسط، ينشىء الروائي السلمان، مشاهد متّزنة متقابلة تتداخل فيما بينها، وتسوق شخصياتها وأحداثها، حيث تدور أحداثها بين الرغبة في البقاء للحفاظ على العلاقات الإنسانية، وبين الولوج إلى الحاضر المأزوم.
مجموعة من الأوراق التي كتبتها «فاطمة القاسم»، الشخصية الرئيسة والدالة على الفعل الإنساني، شكّلت السياق الزمني للرواية، وهي التي اعتمد عليها العمل الروائي في التنقل بين ضفتي النهر، ومكّنته من الوصول إلى البؤر المتحركة في تصدير المعلومة غير النمطية، فالراوي هنا لا يسرد، بل يمضي بعيداً في تأصيل الفكرة من خلال اللغة الناقلة، اللغة التي تستصلح ما تشاء من أحداث رأى فيها الراوي إمكانية الوقوف على عنوان يضيق ويتسع، يضيق عبر اتكائه على أحداث بعينها، من خلال العلاقة الأولى بين فاطمة مع ربيع العربي، والعلاقة الثانية بين أسماء ناصر وصديقها مازن، ويتسع بما يخفي الراوي من تقدير فعالية الحركة للنص الروائي والذي يمارس تحكيك الواقع.
« انطلقت السيارة الأمريكية في شوارع»أبو ديس» مسرعة، تاركة خلفها دماء تنزف وأصوات نساء يبكين استشهاد أحد الشباب في منزله» بهذه الجمل يفتتح الروائي السلمان عمله الجديد، وكأنه يضع في طريقنا لافتة غير قابلة للانزياح، لافتة مباشرة، تقول: كلّ ما هو كائن في الرواية وأحداثها من قهر وألم هو نتاج هذه السيارة، وهو بذلك يؤشر بوضوح على كيفية التعامل مع نصّه الروائي، مع الأبعاد التي يريدها، وما أدلّ على ذلك من الأسماء التي قاربت الأحداث، حتّى ولو كانت أسماء حقيقية، ف « ربيع « المضاف إليه « العربي»، دالة غير قابلة للتأويل، إذا ما قاربناها بالسيارة الأمريكية المسرعة، السيارة التي تجتاز كلّ ما يقف أمامها من عقبات، حتى ولو كانت دماء تسيل، وأحزانا وألما يقضبان على سيرة الإنسان، كما أن « ثقب في جدار» والتي اتّخذت من جدار الفصل العنصري في فلسطين سياقاً نمطياً للأحداث، فهو أيضاً يؤشر بدلالة المقابلة إلى الجدار الذي يفصل بين الشعوب وأنظمتها، ومردّ هذه المقاربة إلى شخصية « ربيع العربي»، من هنا يمكن الاطمئنان إلى أن المساحة التي يريدها المؤلف في عمله هي مساحة واسعة غير مقيّدة بحركة الشخوص وانطباعاتها، كما يمكن الاطمئنان إلى أن الحفر في الجدار هو حفر معنوي أراد منه المؤلف التأشير إلى ما يحدث في العالم العربي من تغيّرات، وكما ماتت فاطمة وربيع أثناء وصولهما إلى ثقب صغير في الجدار الفاصل بينهما في « أبو ديس»، خفت الربيع العربي عندما بدأ يؤتي أُكله.
الشخصيات الثانوية التي ساهمت في تأسيس حالة الاتساع للعمل الروائي، ك « أسماء الناصر التي قتلها أهلها بدواعي الشرف، سميرة أخت فاطمة القاسم والتي تريد أن تسير على خطى أختها، وسامر العربي الذي اختطفته جهات مجهولة في العراق، وغيرها من الشخصيات الداعمة للاتساع في العمل الروائي»، كلها شخصيات تؤشر على البعد الآخر للعمل، العمل الذي جاء نتيجة حتمية لوعد رأى فيه المؤلف ثقباً ينظر خلاله إلى مجريات الأحداث وتغيّراتها وتوجّسات الآخرين من الوقوف على علّته أو جريانه وتسارعه ونهاياته المفجعة.
الروائي السلمان في عمله هذا يضع لبنة جديدة في البناء الروائي، لبنة تتمثل بتقنية الاختزال والانفراج، اختزال الأحداث وتقديمها كواجهات ذات رؤية واحدة تتجمع خيوطها في ثوب سردي واحد، والانفراج بالمساحات ذات الرؤى المتعددة والدالّة على جنوح الشخصيات لتتحمل عبء المقاربة بين تطلعاتها الذاتية وبين الفضاء الآخر للمحيط الذي تعيش فيه.