13-12-2014 12:21 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
من مثلُكَ..؟ وقد انتقلت من رتبة وزير إلى رتبة شهيد, وقتلوك على تراب بلدة «ترمسعيا» شمال رام الله, قتلوك وأنت تحمل غرس الزيتون, قتلوك وقد كتب لك شاعرنا المرحوم «الكيلاني» قبل أكثر من عقدين من الزمن قصيدة جميلة بعنوان (وين ع رام الله, وأنت يا مسافر, وين ع رام الله), ..نعم قتلوك لتتزوج دون مهر اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين, قتلوك وانحنت لك أشجار التين الزيتون هنا وهناك, قتلوك وقد غرّدت لك عصافير الضحى, وبلابل الليل, فمن مثلُكَ..؟
من مثلُكَ..؟ ولم تُقتل في شوارع باريس الحمراء, أو في أسواق الذهب الصفراء, أو على سلالم البورصة الالكترونية, لم تُقتل على أقفال الأبواب المشبوهة, لم تُقتل على أدراج مسابقات من سيربح التريليون, نعم لم تُقتل بين صفحات شِباك مجلة الصياد, فقط قتلوك على تراب رام الله الطاهر, اقصد ثرى«ترمسعيا», بين حقول الزيتون المبتسمة, قتلوك متناسين كل الدوائر السياسية, قتلوك متناسين كل خطوط الهدنة, قتلوك متناسين كل المربعات الأمنية, ..قتلوا معك جميع الإشكال الهندسة, فمن مثلُكَ..؟
من مثلُكَ..؟ وقد أخذتَ معك, رائحة الأرض الزكية, وصفاء السماء النقية, أخذتَ معك آيات من سورة آل عمران, أخذتَ معك قلم وورقة, لتكتب لأطفالك الصغار, ولكل الجيران, لتكتب لكل العالم, ولتجّار الاستيطان, وعلى جدار الفصل العنصري, لتكتب أن الأرض المروية بدماء الشهداء ستحافظ على عذريتها, ولن تخون العهد, حتى لو تعرى بها «أباليس»الاستيطان, وأرتفع معها مخططات جدار الغدر, فمن مثلُكَ..؟
من مثلُكَ..؟ وأنت المناضل والسياسي الفلسطيني وأحد قيادات النضال الفلسطيني التاريخيين، ..قد نلت الشهادة بالضرب وبقنابل «الغاز», نعم بالغاز الصهيوني المسموم, تلك القنابل أطلقتها أيادي الحقد على تظاهرة كنتَ تشارك فيها في بلدة «ترمسعيا» برام الله, ..في رام شارك آلاف المشيعين في جنازتك العسكرية, وعلى أصوات الطبول ومزامير القرب حمل رجال يرتدون الزي العسكري نعشك الطاهر المغطى بالعلم الفلسطيني, وساروا على سجادة حمراء كلون دماؤك النقية, ساروا في مقر الرئاسة بمدينة رام الله, ثم مر موكبك بالشوارع حتى وصل إلى المقابر فيما أطلق البعض أعيرة نارية في الهواء, تعظيما لرحيلك الكبير, فمن مثلُكَ..؟
من مثلُكَ..؟ وقد نعتك عيون«عمان» عاصمة أبا الحسين حفظه الله ورعاه, ..هنا والصدق يلازمنا, الحجر والشجر, وطيور المساء, وقناديل الليل, وسناسل الكروم, حتى نجوم الفجر عندنا, باتت تسأل عن خطاك, ..جاءت الإجابة من هناك, شهادة محلها ميدان الوعد والعهد, فمن مثلُكَ..؟ أظن انه موجود, لكنه لم يولد بعد.