14-12-2014 11:09 AM
سرايا - سرايا - تحلقوا حول إبريق الشاي الساخن، وسط ضباب السجائر، بجوار شاحنة أحدهم، في منطقة شارع الستين قرب سحاب شرق العاصمة عمان، في انتظار تحميل بضائعهم من الخضار والفواكه، قبل الانطلاق في رحلة محفوفة بالمخاطر، قد لا يعودون منها، كما يؤكدون بقلق وحسم!
أربعة من سائقي شاحنات تصدير الخضار والفواكه للعراق، عراقي وثلاثة أردنيين، يتحدثون فيما بينهم بكل طمأنينة، حول أحوال الدنيا. لكن خلف الطمأنينة والسكينة في جلسة الشاي والتبغ هذه، يخفي كل واحد منهم قلقا كبيرا، من رحلة الى أخطر بقاع الأرض اليوم، تحتل معاركها ونيرانها ومجازرها شاشات التلفاز وواجهات الصحف!
هؤلاء الأربعة هم جزء من عشرات سائقي الشاحنات، الذين ينقلون يوميا شحنات خضار وفواكه أردنية، الى السوق العراقي، ويخوضون يوميا رحلة محفوفة بالخطر، تكاد تنتهي بالموت، فيما يضطر هؤلاء السائقون الى "الاعتراف بشرعية" حكومة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، وتمويل خزينتها برسوم، باعتبار التنظيم أمرا واقعا، يتوقف التصدير والاستيراد بين الأردن والعراق على المرور من مناطق نفوذه.
مقارنة بالعقود الثلاثة الماضية، بات طريق عمان بغداد البري، شبه متوقف اليوم، جراء اشتعال الساحة العراقية بأحداث ساخنة، حيث يقدر سائقون أن نحو 30 شاحنة فقط تدخل يوميا العراق من الأردن، فيما وصل المعدل خلال فترة حكومة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الى ألفي شاحنة يوميا، وانخفض بعد احتلال العراق العام 2003، الى نحو 400 شاحنة.
رحلة سائقي شاحنات الخضار والفواكه إلى العراق، قفزة في قلب الخطر، في المناطق التي أصبحت أكثر رعباً، فمنذ أن استولى مسلحو "داعش" على شمال وغرب العراق، في شهر تموز (يوليو) العام الحالي، أصبحت الطريق، وفقا لما وصفه سائقو شاحنات، "رحلة عبر الجحيم".
سائقون يحملون أرواحهم على أكفهم، من أجل لقمة عيش، محفوفة بالمخاطر، تبدأ منذ لحظة تجاوز الحد العراقي، ولغاية وصولهم لصاحب البضاعة (المستورد) في العراق، حيث يعيش الكثير من هؤلاء المستوردين في المناطق العراقية التي يفرض فيها "داعش" سيطرته عليها.
السائق العراقي "أبو محمد"، يروي قصة المعاناة، التي تبدأ منذ دخول الحد الأردني قبل الانتقال الى الحد العراقي، حيث تشديد الإجراءات التي يقوم بها الجانب الأمني الأردني، والتي زادت بعد سيطرة الدولة الإسلامية "داعش" على العديد من المدن العراقية، ثم الوصول للحد العراقي.
ويقول "شدة الإجراءات قد تبقي الشاحنة على الحاجز الأردني لمدة يومين، وهو الأمر الغالب في أكثر الرحلات"، ويزيد "بعد تجاوز الحد الأردني يأتي الوقوف إجباريا على حاجز الحد العراقي الرسمي، ثم الانتقال سريعا، الى حاجز الدولة الإسلامية "داعش"، والذي تضطر عنده لدفع مبلغ 300 دولار، بما يعادل 210 دنانير أردنية، كرسم رسمي، وتحصل على وصل رسمي، يحمل شعار وختم الدولة الإسلامية "داعش".
ويضيف أبو محمد أن مسلحي "داعش" على ذلك الحاجز يقومون بتوجيه سلسلة أسئلة لسائقي الشاحنات، تبدأ بـ"هل أنت سني أم شيعي؟"، ثم الاطلاع على أوراق الشحنة والبيان الجمركي، حيث يتم الاستفسار عن مستورد البضاعة في العراق، وهل هي متوجهة لتاجر سني أم شيعي؟ الأمر الذي يضطر الكثير من المصدرين الى تغيير اسم التاجر العراقي المستورد، إذا كان شيعيا، لأنه إذا ما علموا أن الخضار متوجهة لتاجر شيعي، فيتم مصادرتها بالكامل من قبل "داعش".
ويقول أبو محمد إن الوصل، الذي يتم دفعه على حاجز "داعش" يتم تسليمه للتاجر العراقي في مكان تسليم البضاعة، حيث يسترد سائق الشاحنة المبلغ، بناء على الوصل المعترف به، من التجار والحكومة العراقية هناك، ويتم إخبار السائق أنه في حال لم يدفع التاجر العراقي مبلغ الـ 300 دولار، فما عليه إلا إخبار عناصر "داعش" في طريق العودة، لاستردادها بطريقتهم الخاصة، الأمر الذي يجبر الكثير من التجار العراقيين على دفع المبلغ.
السائق الأردني أبو علي الجعبري، بين أن الكثير من السائقين العراقيين يرفضون الذهاب إلى العراق، برغم ارتفاع أجرة التحميل والنقل، وذلك يعود للمساحات الشاسعة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في العراق، وطول الطرق فيها، والتي ينعدم فيها القانون أو الأمن، ويكثر فيها اللصوص و"المليشيات" المسلحة، كما تتخللها حواجز تتبع لمسلحي "داعش" في شاحنات "البيك أب" وسيارات "الهمر" المسروقة، وهي تتعقب أنابيب النفط والطرق الضيقة غير المرصوفة والمسارات العسكرية على طول الحدود السورية، التي لم يتبق فيها أحد سوى مقاتلي "داعش" وعصابات التهريب، الأمر الذي يجبر الكثير من السائقين، خاصة العراقيين، الى الاتجاه إلى طرق فرعية وغير رسمية برغم بعدها لتجنب عناصر الدولة الإسلامية "داعش" والخطر، الذي يلحق بهم حتى لحظة وصولهم.
أما الطريق إلى الموصل، جنوب العراق، فهي "أسوأ حالاً"، وفقاً لما يقوله سائقو الشاحنات. السائق نبيل، الذي يعمل على خط عمان بغداد منذ 20 عاما، يقول إنه لم ير مثل هذه الأخطار على الطريق الى بغداد طيلة حياته كما هي الآن، وقال "المدن تحت الحصار، الكثير من نقاط التفتيش والتحويلات، قُطّاع الطرق منتشرون في كل مكان"، مبينا أن "الكل يريد نصيبه من بضائعك".
وزاد "وسط الصراع بين "داعش" والمليشيات الشيعية، تكون كمن يحمل روحه على راحة يده، طول رحلة المسير ولغاية العودة".
وبين نبيل أنه من أجل الوصول إلى بغداد، فإن السائقين لا يستطيعون المرور مباشرة عبر الرمادي والفلوجة؛ حيث تقع معارك متفرقة وتنتشر حواجز طرق كثيرة، بل يعمدون بدلاً من ذلك إلى اتخاذ طريق التفافية طويلة، تقع جنوب كربلاء، وتعد هذه الطريق سيئة الصيت بين السائقين، والذين يغلب على معظمهم كونهم من السنة، في ضوء أنه يمر بالمحافظات التي يهيمن عليها الشيعة، أو التي تسيطر عليها، بحسب قوله، المليشيات الشيعية.
السائق رائد راضي، الذي عاد قبل يومين إلى الأردن، من رحلة دامت 14 يوماً، لإيصال الخضار الطازجة من مركز التحميل في شارع الستين بمنطقة سحاب، الى الموصل جنوب العراق، قال إن أكثر ما يخافه خلال رحلته الأخيرة، وهو يسلك الطرق الفرعية، "القصف الجوي الكثيف من قبل التحالف الدولي الذي يقاتل "داعش"".
ورغم أن راضي، كما يقول لـ"الغد"، لم يسمع شخصيا بخطف سائق أردني أو عراقي، أو تعرضه شخصيا لتهديد بالخطف أو القتل، فقد أكد أن بعض السائقين "يتلقون تهديدا من قبل حواجز "داعش"، بعدم تصدير خضار لتجار شيعة". كما أوضح أنه يمكن لمقاتلي هذه الحواجز إطلاق النار عليك على جانب الطريق، دون أن يتمكن أحد من منع ذلك.
عضو جمعية اتحاد مصدري الخضار والفواكه ناصر الجعبري، الذي يعتبر من أكبر مصدري الخضار والفواكه إلى العراق، تحدث عن مشكلة أخرى تواجه المصدرين للعراق، إضافة الى الأخطار الأمنية التي يتعرض لها سائقو الشاحنات، ألا وهي أن العديد من الحوالات المالية، التي تدفع كأثمان للبضاعة المصدرة للعراق، "تعود للتجار العراقيين، وذلك بسبب شدة الإجراءات المصرفية، وتعميم البنك المركزي الأردني على البنوك، للتأكد من مصدر هذه الحوالات، حيث يطلب في كثير من المرات، صورة عن جواز التاجر العراقي الذي بعثت له البضاعة".
وقال الجعبري "إننا مضطرون للتصدير للعراق، بعد أن أغلق السوق السوري أمامنا، جراء الأحداث السياسية والأمنية هناك، وانتهاء الموسم لدى الكثير من دول الخليج، مبينا أن طريق النقل بالشاحنات، التي تصل بين الأردن والعراق، كانت طريقاً مزدهرة في السنوات الماضية، حيث كانت تولد ما يصل إلى مليار دولار في التجارة سنوياً، لتتراجع اليوم الى أدنى مستوى".
من جهته، ثمن رئيس جمعية اتحاد مصدري الخضار والفواكه سليمان الحياري قرار الحكومة العراقية بالسماح بإدخال جميع أنواع الخضار والفواكه الأردنية إلى العراق، دون رخص مسبقة، كما كان في السابق، لتبقى مشكلة الوضع الأمني هناك، وتخوف السائقين من الذهاب في رحلة كلها مخاطر.
وتوقع الحياري ، أن يدفع القرار العراقي الجديد الى تشجيع حركة التصدير للخضراوات والفواكه الأردنية الى العراق، وبالتالي زيادة حركة الشاحنات والنقل الى هناك، لافتا الى أن القرار العراقي سيؤدي إلى تخفيض الرسوم من 2000 دولار، إلى 700 دولار، على كل شاحنة، كانت تدفع كرسوم على الحدود العراقية.
وتتجاوز صادرات الأردن من الخضار والفواكه للعراق حاليا نسبة 50 % من مجمل الصادرات الأردنية لهذا البلد."الغد"