21-12-2014 04:40 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
يعجبني كما يعجب الكثير من أبناء هذا الوطن, البرامج الإذاعية لكل من خالد البزايعة, محمد نوح القضاة, وائل عربيات, راتب النابلسي, وآخرون مع حفظ الألقاب, هؤلاء الرجال قد نجحوا في ذكر محاسن الآخرين, في برامجهم الإذاعية عبر أثير إذاعتنا المحبوبة,..فأنا أتابع البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تذكر محاسن الآخرين, نعم ذكر محاسن الآخرين أمانة, وعلينا تأدية الأمانة على أتم وجه.
في إحدى محطات عملي التربوي ذهبت يوما للتحقيق بشكوى مقدمة من طالبات الصف العاشر في إحدى المدارس, بحق معلمة الرياضيات في تلك المدرسة تتعلق هذه الشكوى بأساليب التدريس عند المعلمة, ..اذكر وقتها أن جميع طالبات الصف ذكرن تدني مستوى تدريس المعلمة, من خلال قدح وذم المعلمة, ما عدا طالبة واحدة كانت تحمل اسم «ندى», ذكرت «ندى» عدة محاسن للمعلمة, ذكرتها بكل جرأة وأمانة, ..كم كنت جميلة يا «ندى», وكم كان جو الصف لطيفا عندما ذكرت محاسن معلمتك, لقد أحسن والديك اختيار اسمك, فأنت بحق كـ«ندى» الصباح الذي نحتاج إلية كل يوم.
الهنود ذكروا محاسن «غـاندي», وغـاندي شخصية هندية معروفة كان لها دور فعال لدحر الاستعمار البريطاني عن بلاده, إحدى هذه المحاسن التي ذكرت على لسان الهنود بحق زعيمهم سميت لاحقا بحذاء غاندي (أجلكم الله), حيث قالوا أن غاندي كان يجري للحاق بقطار, وقد بدأ القطار بالسير وعند صعوده القطار سقطت إحدى فردتي حذائه, فما كان منه إلا أن أسرع بخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الفردة الأولى على سكة القطار, فتعجب أصدقائه وسألوه لماذا رميت فردة الحذاء الأخرى؟ فقال غاندي بكل حكمة, أحببت للذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فيستطيع الانتفاع بهما! فلو وجد فردة واحدة فلن تفيده.
يقال أيضا في جانب ذكر المحاسن الآخرين, أن مواطنة من السويد, سئُلت يوما في منزلها عن الرائحة العطرة التي تجتاح منزلها صباح مساء, فابتسمت وتوقفت هي ومن معها على نافذة منزلها قائلة انظروا.., الرائحة هنا من تلك الشجيرات التي زرعتها جارتي على الرصيف الممتد بيننا! ..نقول نحن هنا(الله اكبر) من علّم هذه السيدة السويدية ذكر محاسن الآخرين,..محاسن جارتها الجميلة بأخلاقها, الجميلة بمزاجها, الجميلة بمنظومة القيم التي تربت عليها.
بكل صراحة ذكر محاسن الآخرين هذه الأيام معطلة في مجتمعنا, وان ثقافة ذكر محاسن الآخرين بشكل عام محذوفة من مناهجنا, ومحذوفة من قلوبنا ومن عقولنا,..أنا لو كنت من سكان السويد, وكان «النسور» رئيس الوزراء هناك لذكرت محاسنه! ..لكن لا اعرف لماذا هنا لا استطيع أو ربما لا أريد ذكر محاسن هذا الرجل في هذا الوطن الجميل, ..أذا كان السبب خوفا أن يقال أن ذكر محاسن الآخرين (نفاق), عندها نحتاج إلى إعادة تنشئة, وإعادة بناء شخصية, نحتاج إلى زراعة نخاع من جديد, ..نحتاج إلى دروس من الطالبة «ندى»,عندما وقفت على خلاف زميلاتها وذكرت محاسن معلمتها.
بقي أن نقول هل فهم غيرنا (وانك لعلى خلق عظيم) قبلنا؟ وهل فهم غيرنا (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) قبلنا أيضا؟ ..الجواب ربما نجده بعد فتح نوافذنا, وتحريك الستائر, يمينا ويسارا, لنرى محاسن الآخرين, ..كل الاحترام والتقدير لـ«ندى»الأردن على ذكر محاسن معلمتها, وللمواطنة السويدية على ذكر محاسن جارتها, وللشعب الهندي على ذكر محاسن غـاندي,..الجميع مدعوين لذكر محاسن الآخرين.