24-12-2014 04:46 PM
بقلم : فيصل تايه
أيام معدودات ويبدأ من جديد امتحان الثانوية العامة بدورته الشتوية وبوقائعه وأحداثه وشخوصه ، والمستهدف لأبنائنا الطلبة وبسيناريو من نوع جديد وباحتياطات إجرائية كبيرة لحماية الامتحان وأمنه ليضاف ذلك إلى مجمل الإجراءات الاحترازية كي يسير الامتحان كما خطط له ، لكن نسبة كبيرة من طلبتنا الأعزاء ما زالت تستهويهم شهوة النجاح من أجل النجاح فقط وبأي ثمن كان ..
اذاً ستبدأ الجولة الأولى من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2015 م .. واغلب الأسر الأردنية تعيش حالة طوارئ وجوٍ من الخوف والتوتر.. دون مبرر موضوعي أو ذرائعي ، مع تكرار المنهجية التقليدية المفروضة على الطلبة بمنطق مستهلك .. معتبرين أن تلك المنهجية لا تأخذ بالتحولات الاجتماعية ومنطق حسابات التفكير الأدائية أو الجوانب المهارية البلومية..أو حتى مهارات التفكير الناقد أو الإبداعي أو الاستدلالي والتي أصبحت بحكم التغيرات التربوية الحديثة مطلب يفرض نفسه .. في ظل متغيرات معلوماتية وتكنولوجية .. وبقي الطلبة ايضاً يحملون الأفكار المتعلقة بمستقبلهم الدراماتيكي الذي يعتمد على تحصيلهم التراكمي في الثانوية العامة.. وحسب مقدرة كل منهم على الحفظ والتذكر ليصبحوا – أعانهم الله- مسيرين إلى مستقبل مجهول يُفرض عليهم بمنطق التنافسية (العادلة) في الجامعات ..والتي توجه مصير ابنائنا نحو مزيدا من البطالة الهيكلية المقنعة .. بعيداً عن تلبية حاجاتهم وطموحهم ورغباتهم .. فالعصف التساؤلي هو الذي يعيد الطريق نحو هذا المنطق المستشري .
اننا نأمل أن تعيد وزارة التربية والتعليم حساباتها مع هذه الفوبيا المتكررة .. خاصة وان وزارتنا العتيدة أكدت باستمرار أن لا سبيل إلى الارتقاء بالثانوية العامة إلا عبر إعادة النظر في المنظومة الحالية .. وجميعنا أدركنا أن الوزارة عازمة على المضي قدماً في ذلك .. بقصد الوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس علمية ومداخل تقنية معروفة كالتخطيط الاستراتيجي أو الجودة الشاملة أو إعادة الهندسة أو إدارة المعرفة أو إدارة الإبداع أو الإدارة بالأهداف وما إلى ذلك ..
إننا نعي تماما أن مؤسستنا التربوية الرسمية تخشى أن تواجه الكثير من التحديات التي تفرضها طبيعة التغيرات خاصة المتعلقة منها بالثانوية العامة.. ونعي أيضا أن الأمر أكثر من انتهاج مداخل القصد من ورائها أي تغيير منشود .. بل ومن الضروري أن يرافق ذلك تهيئة مسبقة للمجتمع الأردني بشكل عام والمجتمع التربوي بشكل خاص ومجتمع التعليم الثانوي بشكل أكثر خصوصية.. فكثير من التجارب التي كان هدفها النهوض بالثانوية العامة خاصة في دول الجوار كان مصيرها الفشل رغم جودتها .. إلا أنها لم تراع أبسط أبجديات التغيير المتمثل في التهيئة المسبقة وعدم إحداث التغيير بشكل فجائي وعشوائي.. ومن وجهة نظري الخاصة أجد حتماً أن الإعلام يجب أن يمارس فيها دورًا كبيرًا.
دعونا نعود إلى امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة الحالي فلا أحد ينكر انه يجرى سنويا لأغراض عديدة في مقدمتها قياس قدرة الطالب على كم المعرفة الحفظية والتذكرية ومحاسبته عليها .. لا من أجل تحسين العملية التعليمية والاعتماد عليها في القرارات التربوية وغيرها.. وبحسب معرفتي المتواضعة بالمعايير التربوية الحديثة والقياس والتقويم التربوي المعتمد على الأسس والقواعد الفعالة فلا اعتقد أن مصطلح المحاسبة التربوية له وجود في قواميس التربية والتعليم لذلك فإنني ازعم وفق المعطيات الحالية إن الممارسات التقويمية المؤسسية لدينا هي ممارسات مكتبية شكلية تمارس بعيدة عن الواقع التعليمي الذي نحن بحاجته .
أما فيما يتعلق بالمنهجية التقليدية المتبعة للتحضير الجيد للامتحان ذلك ما يستوجب إعداداً للقاعات ولجان المراقبة والتصحيح والفرز وما إلى ذلك من طرق الهدر التربوي ..وفي ذلك دعوني أتساءل : لماذا لا تجري عملية أتمتة لامتحانات الثانوية العامة.. ولماذا لا تكون منهجية امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة إلى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عال من التطور والتقدم ليقيم أداء الطالب بما ينسجم وطموحة وآماله ونسايره في تحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة مقننة الخصائص السيكومترية باحتراف؟ تمامًا كما في اختبارات التوفل وغيرها.
وفي مقابل ذلك يكون هناك اختبارات للقبول في الجامعات ليقبل الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص.. بحيث تصبح معايير القبول مركبة من اختبار الثانوية بآليات جديدة .. واختبار القبول في الجامعة.. بالإضافة إلى اختبار القدرات.. واختبار للاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات. من هنا نجد ان المشكلة التربوية القائمة لدينا في الأردن أن الثانوية العامة تحولت من غاية العلم والتعلّم إلى غاية اجتياز الامتحان ..
من هنا يجب أن ندعو إلى عمل تقييم شامل ومراجعة عامة للمرحلة الثانوية .. واعتماد المناهج الدراسية الحديثة المنبثقة عن المفاهيم الواضحة المعتمدة على بيداغوجيا تعليمية متطورة .. إضافة لإعادة النظر بأدوات التقييم المتبعة.. والتصدي للمناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية الربحية كبدائل قوية للمناهج الرسمية .
وأخيرا فإننا لن نضع اللوم على وزارة التربية والتعليم وأجهزتها المختلفة فالمسؤولية يجب ان تكون من أعلى المستويات وبقرارات مصيرية وتعاون كل الأطراف ذات العلاقة .. ولكن ..!! نأمل من وزارة التربية والتعليم اعتمادها على سياسات تقييم تربوية آن لها أن تتجدد .. وفق المعايير التي سبق وتحدثت عنها .. مع ضرورة مراعاة لجميع المستويات العقلية للطلبة عند بناء التقييم لنتمكن من إزالة الفوبيا من التوجيهي.. لأننا بالفعل لا نريد أن نرى جدلية غير مبررة في الأسئلة التي لا تحاكي إلا من له القدرة على الحفظ والتذكر .. .. فلنتذكر أنهم أبناؤنا وهم رجال المستقبل !!
والله ولي التوفيق