28-12-2014 10:06 AM
سرايا - سرايا - رأى د. شكري عزيز ماضي أن مسار "النظرية الأدبية" شهد تحولات ومنعطفات مهمة، فهناك المتحول من مركزية الإنسان، إلى مركزية اللغة- إلى مركزية النص، ومن فلسفة الحداثة الى فلسفة ما بعد الحداثة، ومن تأكيد الطابع الإنساني والتاريخي- عزل النصوص عن إطارها البشري والتاريخي للنصوص، ومن تأكيد المعنى والدلالة وتعدديتهما – لانهائية المعنى وغياب المعنى والدلالة.
جاء ذلك في الندوة التي أقيمت ضمن الملتقى الفكري الذي تقيمه الجمعية الفلسفية بالتعاون مع الرابطة أول من أمس بعنوان "فلسفة الأدب" وأدارها د. هشام غصيب، وذلك في مقر الرابطة.
وتساءل ماضي إن كنا نعيش في ظل "فراغ قيمي" أم في ظل فلسفة التداخل حيث نرى أن سلوك "الأفراد، والجماعات، والدول" تحكمه مرجعية أساسية تتمثل في الرغبات والمصالح بدلا من مرجعية العقل والمنطق.
وبين أستاذ نظرية الأدب والنقد المعاصر في الجامعة الأردنية أنه إذا أردنا تحديد صورة المجتمع الأكثر جمالا، بل صورة العالم الذي نحلم به، فان الأدب والدراسات الأدبية من شأنهما أن يسهما في تحديد هذا الهدف وبلورته وربما في تعبيد الطريق إليه.
ورأى ماضي أن البحث في "نظرية الأدب المسار.. والتحولات" يكتسب أهمية خاصة. وهو حقل واسع وممتد يتداخل ويتشابك مع الفلسفة والايديولوجيا والعلوم الطبيعية والاجتماعية والإنشائية ومع العلوم اللغوية ورؤية الإنسان والتاريخ والعالم.
وأشار صاحب كتاب "في نظرية الأدب"، إلى أن حقل النظرية يتميز عن حقول الدراسات الأدبية الأخرى (تاريخ الأدب/النقد الأدبي) في مادته وأسئلته وأدواته وهدفه على الرغم من تداخله أحيانا وتكامله بالتحليل الأخير مع هذه الحقول، مشيرا إلى أن حقول الدراسات الأدبية برمتها تتعامل وتتفاعل مع العلاقات المتداخلة بين أركان الحقيقة الأدبية.
وأوضح ماضي أن "الأديب - النص –المتلقي"، لكل منهما حقلا ونظرية يتعامل مع الحقيقة الأدبية باعتبارها حقيقة كلية او كونية، ويسعى للإجابة عن أسئلة من نوع: "ما ضرورة الأدب؟ أو ما مسوغ وجوده؟، ما مصدره او نشأته؟ وما دوره او وظيفته وأثره؟، ما الذي يميز الأدب عن غيره؟ (ما خصائصه الخاصة) = طبيعته؟، ما الذي يجعل من العمل الأدبي عملاً أدبيا؟ أو أين تكمن أدبية الأدب؟!".
ورأى مؤلف كتاب "أنماط الرواية العربية الجديدة" (دراسة نقدية تطبيقية)"، أنه يمكن القول بصورة مجملة أن نظرية الأدب حقل من حقول الدراسة الأدبية أو "مجموعة من الآراء والأفكار القوية والعميقة والمترابطة والمنشقة، والمستندة إلى نظرية في المعرفة أو فلسفة محددة، والتي تهتم بالبحث في نشأة الأدب وطبيعة الأدب ووظيفة الأدب. وهي تدرس الظاهرة الأدبية عامة من هذه الزوايا في سبيل استنباط وتأصيل مفاهيم عامة تبين حقيقة الأدب، ومصدره وآثاره باعتباره حقيقة كلية/كونية".
واعتبر ماضي أن النظرية تتخطى الحدود الإقليمية والقومية، وتتحول إلى فلسفة الأدب؛ إذ تبحث في الماهية والكليات، والى علم تطمح فيه إلى استخلاص المفاهيم العامة والتصورات والقوانين الكلية للظاهرة، ومن الطبيعي أن يفرض الامتداد الزمني لحقل النظرية، والتشابك مع العلوم المتعددة، وكنوع الأسئلة، وطبيعة الظاهرة المدروسة (خصوصية الأدب)، تحولات عديدة في مسار نظرية الأدب.
وبين صاحب كتاب "معالم الحياة الأدبية في فلسطين والأردن"، وهو كتاب مشترك، أن المسار شهد (تحولات داخل النظرية الواحدة أحيانا) وأخرى فيما بين النظريات الأدبية المتنوعة تبعاً للتباينات- حد التناقض في رؤية الأدب واللغة والإنسان والتاريخ والعالم، وحسب طبيعة المراحل التاريخية المتبدلة، ويمكن رسم مسار النظرية الأدبية وتحولاتها منذ ولادة هذا المسار في القرن الرابع قبل الميلاد وحتى يومنا - من خلال تتبع الحلقات الثلاث الآتية:
وتتمثل الحلقة الأولى: في سؤال الوجود إي وجود الأدب أو ضرورته، أو مسوغ وجوده، أو شرعيته، أو قيمته، ومن ثم وظيفته ودوره وأثره. وتضم هذه الحلقة: "نظرية المحاكاة: التي تركز اهتمامها على العلاقة بين النص والمتلقي، نظرية التعبير: التي تركز اهتمامها على العلاقة بين النص والأديب، النظرية الطبيعية ونظرية الانعكاس: اللتين يرتكز اهتمامهما على تأكيد العلاقة بين الأدب والسياق الخارجي".
اما الحلقة الثانية وفق ماضي، فتتمثل في سؤال الهوية، أي هوية الأدب وماهيته، أو خصائصه وميزاته، وهو سؤال يخضع لمستويين متباينين هما: "الشكل/والبنية. وتضم هذه الحلقة: نظرية الخلق: التي حاولت أن تثبت أن هوية الأدب الفنية الجمالية تكمن في (مشكلة)، النظرية الألسنية البنيوية: التي ترى أن الأدب كيان لغوي، وأدبيته تكمن في بنيته".
وتتمثل الحلقة الأخيرة بحسب ماضي، في التحول نحو "النصية" أي نحو النص والنصوصية وعلم النص. فالأدب والتاريخ والعالم عبارة عن نصوص متفاعلة (متكاثرة) فمحرك الأدب ومنتجه نصوص سابقة ولاحقة "نظرية النص" أو أنظمة خفية تحول الانسان الى دمية تحرَك لا قوة تحرِك "نظرية الخطاب"، وهذه الحلقات الثلاث تشكل إطارا عاماً، إذ تضم كل منها مواقف ورؤى متعارضة وفلسفات متباينة كما سيتضح.