28-12-2014 07:18 PM
بقلم : محمد ابراهيم الشقيرات
كثرت في الآونة الأخيرة الشائعات التي تعكر صفو حياة المجتمع بكل أطيافه على حد سواء، وترددت محتوياتها في العديد من وسائل الإعلام، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، (الفيسبوك والتويتر) ، حيث طفحت على سطح كينونتنا العربية بقدرة غربية تكنولوجية عجيبة، وبطريقة جذابة للقلوب وسخرت كافة أدواتها من أجل تحقيق مصالح أعداء العرب والمسلمين.
وزادها انتشاراً إساءتنا لاستخدام وسائلها لما فيه خير مجتمعاتنا العربية ...وصنعت أدواتها بطريقة ذكية كي تمتلك عواطفنا ومشاعرنا وأرواحنا،وكل شيء فينا،حتى صرنا لا ندرك الصواب من الخطأ، ولا الخطأ من الصواب، وأصبحت الأشياء أمامنا رمادية اللون، حتى وصلنا إلى مرحلة لا نعرف مدى خطورتها،ورمينا فيها بأنفسنا في نار التهلكة دون أن ندري أحياناً، وأحياناً بمحض إرادتنا لأننا فقط ننساق وراء ما قيل وما يقال، دون أن ندرك ما يحدث في محيطنا العربي من سواد، وما يرهق كاهلنا كأمة.
وغطت الشائعات مساحة كبيرة من مجتمعنا العربي، ولم نكن نحن في هذا الوطن الأردني الهاشمي، الطيب بشعبه وقيادته بعيدين عن التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي ودورها في انتشار الشائعات التي تؤثر سلباً على مسيرة الإصلاح والتقدم التي لطالما نادى بها جلالة قائدنا المفدى الملك عبدالله الثاني بن الحسين المعظم.
والشائعة سادتي كما يعرفها علماء السياسة والاجتماع "هي الأحاديث والأقوال والأخبار والروايات التي يتناقلها الناس دون التأكد من صحتها" وهي ليست إلا خبراً ينتشر بين الناس لا أساس لهمن الصحة، أو خبر غير ثابت يتناقله الناس في ظروف معينة، وتعد ظاهرة نفسية لها دلالاتها ولها معانيها ولها دوافعها الخاصة، أما الشخص الذي يروج للإشاعة فهو يهدف أحياناً لبث القلق والرعب في نفوس أفراد المجتمع ، رغبة منه في تحقيق أهدافه أو أحلامه أو طموحاته ، وقد يكون مصدرها نابع من الخارج لتحقيق أجندات تهدف إلى التأثير على مسيرة بلدنا الحبيب.
وتعد الشائعة جزء من استراتيجيات الحرب النفسية التي يشنها أعداء الأمة على الأمة، والهدف الاستراتيجي لها هو التأثير في الطريقة التي يتصرف بها الناس في المواقف المختلفة، وفى سلوكياتهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية وآرائهم تجاه الأحداث المختلفة وذلك من خلال تمرير الأكاذيب الهادمة في كل الاتجاهات، ثم تليها أخرى في اتجاهات معاكسة بشكل مدروس وهكذا ..
بما يؤدى إلى خلق قناعات متضاربة بين الناس، تجعلهم في حالة متناقضة مع بعضهم البعض، ويؤدى في النهاية إلى أضعاف أو تحطيم الوحدة الوطنية، وبث الفرقة والتخاصم بين مكونات المجتمع, وبث روح اليأس في نفوس المواطنين، وإضعاف مفاصل الدولة ذاتها والتأثير على نظم إدارتها للأزمات التي تواجه المجتمع من خلال التأثيرات السلبية للإشاعات الضارة، مما يؤدي إلى إرباكها والابتعاد عما فيه خير الوطن، وانشغالها في مقاومة تلك الشائعات والتخفيف من وطأتها على الوطن والمواطن.
وتتعدد أنواع الشائعات فمنها ما يكون هدفها بث الخوف والرعب لدى الناس، ومنها الوهمية المغرضة، والشائعات التي تهدف إلى غرس الفتن بين فئات المجتمع، وإشاعة روح الكراهية تجاه مجموعة ما من المجتمع ، مستغلةً أجواء الأزمات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية وهي بذلك تدعم توجهات الجهات والتيارات المناوئة لنظام الحكم والمناوئة للوطن ،وتفكيك الدولة وإضعافها، وتمتد الشائعات من استهداف فئة معينة من المجتمع بهدف تحقيق مصالح خاصة لتصل إلى كبار الشخصيات والوزراء والمسؤولين في كل مفاصل الدولة بما يؤثر على المسيرة الوطنية برمتها وعلى حياة الناس على اختلاف مستوياتهم المعيشية.
ومن يتعمد نشر الشائعات والترويج لعكس الحقائق ولنشر الأكاذيب الباطلة لأهداف شخصية هو حقاً لا يعرف مدى ما تسببه فكرة الشائعة ومدى خطورتها على عامة الناس، حتى أحياناً مدى خطورتها على نفسه كفرد من أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، وبالتالي فإنها مسؤولية يحاسب عليها المروج لها إن لم يكن في الدنيا فسوف يحاسب عليها في الآخرة، وكلام الله سبحانه وتعالى واضح في هذا المجال فقد قال تعالى وهو أصدق القائلين:(ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)( الآيات 16-18سورة: ق).
من هنا فإن خطورة الإشاعة لا تكمن فقط في التشكيك في قدرة الدولة على خدمة المجتمع وقصور أدائه وحسب، بل فإن خطورتها تتعدى هذا الأمر بكثير حيث تتأثر مسلكيات الاتجاهات السياسية بشكل أفقي وبشكل عمودي مما يؤدي إلى تفتيت المجتمع وإلحاق الضرر بالوحدة الوطنية التي تحميك ينونه الدولة بكافة عناصرها.
إن حب الوطن والارتباط القدسي به يحتاج منا لتضحيات جسام ..فهو الذي ضمنا بجناحيه طيلة عمرنا كحمامة وديعة ضمت صغارها بحنان مطلق، ومن حقه علينا أن نعمل من أجله، وننصرف إلى العطاء والعمل، ونحارب معاً ما يعكر صفوه الجميل،وننبذ معاً الشائعات التي تحاول النيل من وحدته الوطنية وتلاحم الشعب وقيادته وحكومته، والتعرض لرجاله الأوفياء على اختلاف مناصبهم، وما قدموه منأجل اجتياز المراحل العصيبة التي أحاطت به بعدما أحاطت بالعديد من الدول العربية من حولنا مما أدى إلى انفلات الأمور وزعزعة الأمن والاستقرار وإتاحة المجال للحروب والويلات والتي ما زالت تفتك بالأخضر واليابس خدمة للمصالح الإستراتيجية لدول إقليمية ودولية همها الكبير خدمة شعوبها لا خدمة شعوب هذه المنطقة التي قدر الله لها أن تعيش في فلك الاقتتال وأجواء غبار المعارك، وأزيز أصوات السلاح، ومعمعة ألسنةِ الدخان، وتدفق الدم الأحمر القاني من أجساد مزقتها آلة الحرب الحاقدة التي صُنعت ومُولت ودُعمت وذُخِّرَت بأيادي الحاقدين على أمةِ الضاد التي جاء القرآن الكريم بلغتها تكريماً لها، إلا أنها أحادت عن طريق الصواب فوقعت في شرك الاصطياد الحاقد من قبل أعدائها.
وقد يعود السبب في انتشار الشائعات إلى ديناميكية الحركة الإعلامية التي سادت مجتمعنا كسائر المجتمعات وإلى سهولة انتشار الأخبار في عصرنا الحالي ووجود قنوات إعلامية متعددة الأهداف,وتزامن ذلك مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعية خاصة بين فئة الشباب,وكما أن الإشاعة تعتبر وسيلة فاعلة ومؤثرة من وسائل الدعاية، ويؤكد العديد من علماء الاجتماع أن الشائعات يمكن أن تستخدم استخداماً سلبياً في إحداث نوعاً من البلبلة والقطيعة بين أفراد المجتمع والمسؤولين، وهذا ما نلاحظه حقيقةً في الشائعات المتصلة في الشؤون المتعلقة في علاقة الحكومة مع الشعب،فعلى سبيل المثال أُجريت العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة في الشائعات وأثرها على المجتمع فقد قدم الباحثين السعوديين (أ.د طلال الناشري)و(أ.د آمال السايس) بحثاً عن ذات الموضوع توصلا به إلى جملة من النتائج والتوصيات أهمها أن الدراسة أكدت على"إن الإشاعات قد تؤدي بعض الوظائف الإيجابية للبناء الاجتماعي إلا أن آثارها السلبية على المجتمع تطغى على الإيجابيات,وأن القنوات الإعلامية المفتوحة ومواقع التواصل الاجتماعي, حوَّلت العالم إلى قرية صغيرة فلم تعد الشائعة في معظمها محلية بل أصبحت عالمية تنتشر متجاوزة الحدود الإقليمية والعرقية، وفي ظل التغيرات السياسية والاقتصادية كان لابد للمسؤولين الاهتمام بالتصدي للشائعات وتفنيدها وتبيان خطرها على المجتمع وخاصة تلك التي تستهدف زعزعة الأمن وبث الفرقة بين أبناء المجتمع الواحد,وكذلك هنالك مسؤولية فردية، فعلى الإنسان أن يتحلى بالتفكير النقدي والذي يعينه على تحليل كل ما يرد إليه من إشاعات ولا يحاول أن يشارك في نشرها بل يعيقها ويدعها تقف عنده ولا تتخطاه".
من هنا فإنه لا بد من القول أن الشائعات لا تخدم إلا أصحاب المصالح الضيقة والأجندات التي تصب في مصلحتهم، بعيداً عن المصلحة العامة للوطن والمواطن.. فكفانا شائعات ولنفكر في كل المساهمات التي من شأنها حماية وطننا العزيز .
"حمى الله الأردن العزيز وحمى الساهرين على أمنه واستقراره من كل شر، وأدام قيادتنا الهاشمية الفذة".
د. محمد ابراهيم الشقيرات
Massh_62@yahoo.com