05-01-2015 10:01 AM
سرايا - سرايا - تطمح الزميلة الروائية رشا سلامة أن تكون لها بصمتها الخاصة في الكتابة، وأن تُعرف كتاباتها بدون أن تضع اسمها عليها، مشددة على أنها نزلت بالفلسطيني من عليائه من خلال الأدب.
وتبين سلامة في حوار مع "الغد" أن الكتابة الأدبية بالنسبة لها متنفس حقيقي، بعكس الكتابة الصحفية أو التوثيقية، لافتة إلى أن الأمور في هذا الزمن باتت أصعب؛ فوسائل التواصل الاجتماعي جعلت من كل مواطن صحفياً، "وجعلت ممن يمتلك موهبة ولو بسيطة كاتباً، وبذا اختلط الغث بالسمين". وتؤكد أن جيلها "يواجه صعوبة إذا ما قورن بجيل الرواد الذي كان عدده محدوداً وبالتالي كانت فرصة التميز فيه أسهل".
وتلفت إلى أن الأديب رشاد أبو شاور كان كتب عن روايتها "جلابيب قاتمة" بأنها "تكتب بطريقة مختلفة عن الآخرين والأخريات"، مؤكدة أن هذا ما تطمح إليه.
سلامة ترى أنها تتناول الموضوع الفلسطيني صحفياً بطريقة غير مكررة، "لاسيما أن معظم المكتوب في هذا السياق يحمل صبغة أرشيفية، فيما أنا أحاول أن أجعل الصبغة الإنسانية هي المهيمنة".
أما أدبياً، فتقول "نزلت بالفلسطيني من عليائه، وأحسب بأني أدنت المجتمع الذكوري والرجل الفلسطيني قبل الاحتلال الذي لم أجعله شماعة، كما لم أجعل الفلسطيني ملاكاً البتة، وإن كنت صوّرت أنه حتى في أكثر حالاته لؤماً أو طغياناً أو سلبية هو ضحية سياسية في نهاية المطاف".
يذكر أن سلامة عملت في "الغد"، وكانت أصدرت في مجال الرواية "تماثيل كريستالية"، و"جلابيب قاتمة"، و"حتى مقطع النفس"، وأخيرا كتاب بعنوان "إضاءات فلسطينية"، وهي عضو رابطة الكتاب الأردنيين. وفي ما يلي نص الحوار:
• ما هي الفكرة أو الصورة التي تستفز رشا للكتابة وكيف تتشكل لديك؟
- بشكل عام، يبقى الحدث ضاغطاً عليك حتى تكتب عنه، ومن ثم تتحرر منه ولو جزئياً. ثمة أشخاص قابلتهم ولم أرغب بأن تذهب حكاياتهم أدراج الرياح، وبحكم أن الكتابة الصحفية مقيدة بمعايير وأسس مهنية، فإني وجدت في الرواية حرية حركة أكبر وتغذية للحقيقة بالخيال وتلاعبا بالنتائج وفقاً لما تتمنى. لذا، في واقع صعب التغيير قد تكون الكتابة الأدبية متنفساً حقيقياً، بعكس الكتابة الصحفية أو التوثيقية التي لا تجد فيها في مرات كثيرة فسحة أمل ولو بسيطة. الكتابة جاءت عندي في عُمر مبكر، وفي مرات أقول: لو كنت تأخرت بضعة أعوام عن العُمر الذي بدأت فيه بالنشر لما فعلتها؛ لأن حجم الجرأة يتناقص وتصبح الوثبات أثقل، كما أن حجم الدهشة أمام تجارب الآخرين وحكاياتهم يقل كلما مضيت في العُمر. حين تكبر تبدأ بربط النتائج بالمسبّبات، وبذا لا تغدو المفرزات غرائبية كثيراً بالنسبة لك.
سأسوق مثالاً عن الفدائية الفلسطينية التي أوردت حكايتها في روايتي الأولى "تماثيل كريستالية"، في البدء، حين سمعت الحكاية من الشخصية الموجودة في الواقع غرقت في الدهشة والغضب والألم، وكنت أتساءل "كيف يحدث هذا؟ كيف تكون هذه هي النظرة للفدائية الفلسطينية؟"، فيما بعد، وبمرور أعوام بتّ موقنة تماماً أن القاعدة هي النظرة الدونية للمرأة بغضّ النظر عن موقعها، فيما الاستثناء هو منحها حقها من التقدير الذي تستحق. أيقنت تماماً أيضاً أن ثورتنا كانت ذكورية خالصة، وبأن الرجل الشرقي عموماً حتى لو أصبح مناضلاً وتمنطق بندقية، يبقى في داخله، في معظم الأحيان، رجلاً مسكوناً بعقدة "سي السيد" وبأن المرأة وُجِدت لخدمته وتلبية احتياجاته المشروعة وغير المشروعة، حتى لو كانت مناضلة معه في التنظيم! لذا، أخال بأني في الرواية التي تليها "جلابيب قاتمة"، بل وفي "حتى مقطَع النَفَس" أيضاً، حاولت أن أوغل في دواخل المشهد: المرأة في البيئة المحافظة والدينية وفي بؤر الفقر وفي المخيمات وحتى في العائلات المرموقة والأوساط الثقافية.
• الأدب والسياسية كيف ترين هذه المعادلة؛ حيث إن كتاباتك مغرقة بالسياسة خصوصا القضية الفلسطينية؟
- ما يزال هامش الحرية محدوداً على صعيديّ الكتابة الصحفية والأدبية؛ إذ تشعر كأنك تمشي في حقل ألغام قد تصطدم فيه بسُلطات وتابوهات عدة منها السياسية والدينية والاجتماعية والعائلية. وعلى فكرة هي متداخلة من حيث لا نعلم. الأمر ليس سهلاً البتة ويجعلك في مرات كثيرة تمارس عملا روتينياً تقليدياً، وهو ما تحبذه معظم المؤسسات الصحفية ودور النشر؛ لتجنب الاصطدام مع الساسة والمتنفذين. أدبيًا، أحاول أن أقدم رسالتي السياسية بطريقة متوارية وليست واضحة.
أنا نفسي، في مرات كثيرة، أكون في موقع المتلقي الراغب بتشكيل موقف سياسي مما يحدث، ولا أزعم أني أملك الموقف الذي أجزم بصحته. لذا أنا أنقل التجارب التي تضغط عليّ، ومن ثم أقف في صفوف المتلقّين وأتجرد تماماً من حالة "الكاتب" العليم بكل شيء.
• هل تؤمنين بالكتابة المؤدلجة والموجهة؟
- لا يوجد صحفي أو كاتب حيادي مائة بالمائة. هذا أمر أنا متأكدة منه. يبقى الفرق أنك في الصحافة تتحرى الحيادية وتحاول ألا تخرج من خانة من ينقل الخبر، بعكس الكتابة الأدبية التي تجعلك تتحرك بحرية أكبر، وإن كان مطلوباً منك ألا توجّه رسالتك بطريقة مباشرة، بل من خلال الأحداث، لتترك للقارئ في نهاية المطاف حرية اعتناق مذهبك الفكري، إن كنت تكتب انطلاقاً منه، أو أن يجترح مما كتبت مذهبه الخاص سياسياً وفكرياً. ثمة مشكلة بسيطة هي ربط كتابتك الصحفية بكتابتك الأدبية. أولاً عليك أنت نفسك أن تخرج من قواعد الكتابة الصحفية وأن تنتقل بسلاسة لتلك الأدبية، ومن ثم سيكون أمامك التحدي الأكبر: أن ينسى القارئ كتابتك الصحفية وأن ينظر إليك بتجرد كأديب، وهو ما ليس لك عليه سلطان في الحقيقة. سيكون صعباً على سبيل المثال أن يقتنع القارئ بأنك تنتقد الثورة الفلسطينية وتحاول أن تسلط الضوء على بعض أخطائها، بعد أن قرأ لك مراراً تحقيقات وحوارات مع مناضلين في الثورة الفلسطينية. يصعّب عليه حينها أن يتفهم فكرة أنك كنت في الصحافة تنقل فحسب، وبأنك في الأدب تضع رؤيتك وتترك ذاتك لتتحدث على سجيتها نوعاً ما.
• ما هي التحديات التي واجهتها في كتابة الرواية؟
- تحديات عدة منها أن العمل الأدبي يُسقط على الكاتب، وإن وُجِدَ ولو قليل من التشابه بينك وبين إحدى شخصيات الرواية فقد يخال البعض أنك تكتب عما مرّ بك، وهذا بحد ذاته قيد. كامرأة شرقية لديّ هاجس دائم هو ألا أكتب ما يسبّبب لي الحرج لاحقاً أمام أطفالي في المستقبل أو عائلتي أو زملائي في العمل. أجزم تماماً أن من يكتبن في مجتمعات أكثر تحضراً ومدنية لا يعانين من الأمر كثيراً، لكن هنا الوضع مختلف تماماً؛ إذ لوائح الاتهام جاهزة دوماً.
هناك جملة تحديات أخرى من بينها الشللية في الوسط الثقافي، واستفراد أسماء بعينها بالأضواء، كذلك نظرة الاستخفاف التي ما يزال كثر، وعلى رأسهم رواد الوسط الثقافي، ينظرون بها للمرأة حين تكتب (مثل نظرتهم لها في المناحي الأخرى تماماً؛ إذ الحلقة متصلة)، أو على النقيض من ذلك: الاحتفاء بها بمبالغة من باب "جبر الخواطر".
هناك أيضاً تحدي الإتيان بجديد من حيث المحتوى والقالب وطريقة الطرح، وخصوصاً إن كنت تكتب في موضوع تم طرقه من قبل.