06-01-2015 10:09 AM
سرايا - سرايا - لوحة «عذاب ساكو وڤانزِتي» كانت واحدة من اولى اللوحات السياسية الاحتجاجية التي رسمها بن شان، وعاود رسمها مرات ومرات، حتى قبل وفاته بعامين في 1969.
قسم بن شان لوحته «عذاب ساكو وڤانزِتي» الى ثلاثة اقسام، ليجعلها اشبه بسجل تاريخي لما حدث، فالأول وهو الأيسر من اللوحة صور الرسام عمالاً ومناضلين يتظاهرون محتجين على حكم الإعدام، وعلى المحاكمة من اساسها، وحرص ان تكون للعمال المحتجين سمات المتهمين انفسهم.
أما القسم الثاني وسط اللوحة، صوّر بن شان حاكم ولاية ماساشوستس آلفن فولر، على شكل قزم ضئيل، يشير بيده معلنا رفضه تأجيل تنفيذ حكم الإعدام، وإلى جانبه المتهمان ساكو وڤانزِتي يقفان كعملاقين بالمقارنة معه، والكبرياء يملأ وجهيهما، بينما جاء القسم الثالث من اللوحة والذي يشغل جانبها الأيمن وقد تم تنفيذ الحكم، أمام تابوتين يضمان رفات العاملَيْن، وهما محاطان بأعضاء ما سمي يومها «لجنة الأعيان»، المؤلفة من قاضٍ ورئيس جامعة هارڤرد، ورئيس معهد ماساشوستس للتكنولوجيا. يقفون دون حراك. ويبدو الندم واضحاً على وجوههم، لان السلطات كلفتهم من قبل بالتحقق من عدالة المحاكمة وصواب الحكم بالإعدام، فاستنتجوا بأن: «كل شيء يجري على ما يرام» موافقين على حكم الإعدام بالكرسي الكهربائي. هؤلاء الثلاثة في نظر بن شان، كما في نظر كل الذين تابعوا القضية، المسؤولون الحقيقيون إذ كان في إمكانهم ان يقلبوا المعادلة لكنهم لم يفعلوا، ولم يتأثروا لا بالضغوطات العالمية ولا بنداء الضمير، مع علمهم ان المتهمين انما هما ضحيتان لفزع أمريكي عام لا أكثر.
العنصر الأخير في هذا القسم من اللوحة هو القاضي وبستر تاير، الذي ظل طوال السنوات الفاصلة بين حدوث الجريمة ولحظة الإعدام مصراً على انه لن يقبل ابداً بإعادة المحاكمة مهما كانت الظروف.
في العقل الأميركي الحر والتقدمي، كان من الواضح ان في الأمر ظلم كبير، حتى لو كان ساكو وڤانزِتي قاتلين، فليس ما يبرر ذلك الحكم الأقصى الذي صدر عليهما. وكان الأمر في النهاية موقفاً سياسياً واضحاً سرعان ما تجاوز حكاية إعدام الرجلين ليغوص في وضعية أميركا نفسها، في تساؤل يعيد النظر في عدد كبير من المسلمات.
وقال بن شان تعقيباً على تحقيقه لهذه اللوحة التي اضحت في ذلك الحين واحدة من اشهر اعمال الفن الاحتجاجي الأميركي: «لقد وجدت ذات يوم ان عليّ ان أفكر حقاً بقضية ساكو وڤانزِتي. وأنا، بمقدار ما تعود بي الذاكرة الى الوراء، أذكر انني كنت دائماً احب ان أكون محظوظاً بما يكفي لكي اعيش أزماناً كبيرة في حياتي، أزماناً تحدث فيها امور ضخمة، وهكذا حين حلّت قضية ساكو وڤانزِتي أدركت فجأة ان ثمة موضوعاً يمكن لي ان ارسمه».