-->

حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 12386

في رثاء درويش

في رثاء درويش

في رثاء درويش

10-08-2008 04:00 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 

 

لا أريد ان أصدق أن للموت كل هذه القدرة على سرقة اللحظة من محتواها وتلوينها بالسواد ، لا أصدق قدرة اليد الملطخة بتحلل الأجساد بان تمتد عبر الغيم الأسود ثاقبة سماءنا لتسرق منا غصبا وقهرا وعلى غفل من نحب..

لا أصدق هذه القدرة على التغاضي والتواءم مع أكبر الأعداء ، هذا القاتل الغير مدان والسفاح الأبدي المتعجرف مدى الأزمان...

أنني أرفض الموت فكرة وفعلا ،اسما وحدثا ، طقسا وتصرفات ،وأتعفف من الصبر علية ولا أوافق على كل هذا الاجراء....

فأنا لا أذكر من الموت الا الحزن الثقيل والظلام الحالك والانطفاء ، لا أذكر منه الا الحياء من الحياة وغياب الرغبات والبكاء ، وأدينه ... ليلا طويلا بلا نوم وحبوب مهدئة وآيات قرآن ، وأكرة الشيخ الذي يمارس المواعظ في بيوت العزاء ، والمعزين الذين يتصنعون الأحزان وصفحات النعي والتغاضي حتى عن ذكر الأسماء ، وأرفض شهادة الموت وحجة الأرث والملابس التي تنتظر بلا أمل وفرشاة الحلاقة والسرير المرتب للأبد بسكون حزين وأرفض ما يجيئ به الموت هذا المساء وما كان به قد جاء...

لا أذكر من الموت الا ذبول العينين وترهدل الأجفان وهوة سوداء مظلمة عميقة فيها الروح سجينة والفؤاد...

أيها الموت ، أبغضك...

أيها الموت ، ابتعد عني هذا المساء ، ابتعد ، فلكم أنت أعاف...

أيها الموت ،تعبنا منك ، تعبنا ، فلماذا لا تغيب طويلا ... قرنا أو أثنين ، أذهب للعمل ، أو انشغل بالحب ، أو خذ اجازة طويلة ، لقد مللناك فعلا غاصبا ظالما ... تخون ولا تخان ، ونهون عليك ولا تهان ، وتزلزل أركان وجودنا دمارا وفناء ، وأنت ، سائر معنا بانتظارنا ، تلدغ حين تشتهي ، دونما أدنى استئذان...

درويش يموت ، ولم نحرر يافا بعد ولم نسر بين طرقات البرتقال بعد ولم ينجز شيئ من المهمة ، فكيف يموت؟!!!

سأحاسبة ذات يوم ،ذات لقاء ، أن أيها القريب كيف انتأيت ،كيف لملمت كل شيئ فجأة وحتى عن الوداع ، كنت تغاضيت...

كيف ارتضيت لنا يا رفيق بأن تخان في حياتك بلا انتصار   وأن بموتك تستمر الهزائم،   فنخان...

موتك ، صفعة على غفلة وخيانة ....

  ...وأنا،   لا أقبل هكذا الخيانة ،

..من سمح لك أن تموت ؟

... نحن لم نصل الشاطئ بعد ..ويافا لما تزل بعيدة ، هي مسير خمسة أعمار كأعمارنا السخيفة القصيرة ، هي مسير سفر   ، فهل أتعبك السفر...البرتقال ، ينتظر ، فكيف ترتضي له كل هذا الغدر..

خيانة هذا الموت خيانة ، وعلى غفلة يأتي ، كطعنة في الظهر هو ، كأفول مفاجئ ، كانطفاء الوجود على عدم....للصدمة وقع يوقف الخفقان ويوجع الصدر ،والآن لكم أشعر بالغدر والسكين في ظهري وموات عظيم للمساء وأفول للأغنية وانطفاء للنشوة وبزوغ أبدي للألم..

ألم يكن يكفينا كل هذا العمر العصيب الا أن نفاجأ بكل هذا النبأ ...

أيها العربي العاشق الحصان ، متألم أنا بموتك ..مفجوع وموجوع ، وأعلن أن موتك أيها الكبير غدر لنا ، كما كان الكثير غدرا لك ، وأن الحياة غدر ، والقصة بالأساس من أساسها ضيئلة ولا أدري لم كل هذا العمر...

أيها الجميل كأحرف ينقشها جندي منتصر عاشق على جذوع الشجر ، صدق ،أن موتك هذا خيبة أمل قاسية ثقيلة لا تحتمل   ، لا بل أن موت كل الأحبة أنما هو سقوط للأشجار الواقفة وخنجر بالعين وطلقة قاتلة...

 لماذا تموتون أحبتنا ؟

لماذا ؟؟؟؟؟؟؟

 الم أقلكم أن الرحلة لم تنجز بعد وأننا بعد لم نصل الشواطئ ، فكيف على غفلة تغادرون ؟!!! أيها المغادرون الغادرون ، أيها الطيبون المجرمون ، أيها الأحبة الأعداء ، أكرهكم في موتكم وأغضب ...كنت من زمن أقول أن من يرتضي الموت ليس صديقي ، أن من يخضع مجبورا لرحيل الروح ليس رفيقي..وأن الأعمار القصيرة هي أعمار الجبناء وأن الموت والرحيل يوجعنا كثيرا فكيف تأتون لنا بكل هذا البكاء...

وأناديهم هذا المساء لم ترحلون ؟ وما من أحد يجيب ، أناديهم كثيرا ولا يلتفتون ، وأحاول أفتش أين أعيدهم وذراعاي تقطعان من فعل الصواعق هناك بعيدا حيث الوحشة والبلل والبرد والامطار السوداء الكثيفة والصراخ بلا أصداء والدمع ، أنا أناديهم ، ولا عودة للنداء ، أرجوهم العودة بالنبأ ، ولا أنباء..غريب هو أمر أحبتنا ، كيف في رحلتهم عنا يمتهنون الجفاء...

بموت درويش اليوم ... تنطفئ شمعة كانت ترفض الظلام ، وتنكس اليوم بندقية وراية لفارس ويسافر مع الريح للبعيد الغريب   منديل منقوش علية اسم للحبيبة واسم لفلسطين...

وربما كان هناك في السنوات الأخيرة بعض اللغط على فارسنا الراحل تمثل في جنوحة نحو الشعر كفن على حساب المقاومة ، فكرهنا الفن المجرد وغضب بعضنا على المحاولات اللامجدية لأنسنة العدو أو محاولة استيعابة ، وبرحيله اليوم فأننا لا نذكر الا درويش الذي استقال من اللجنة المركزية للمنظمة احتجاجا ورفضا لاتفاق اوسلو ، ولا نذكر الا درويش الذي يعشق عمره ، ( لأني اذا مت يوما...أخجل من دمع أمي)...

 

نودع اليوم درويش ، وهو في المخيلة ، ذلك الشاب العاشق الجميل الذي يحفظ الوطن والكرامة تعويذة أبدية وينادي بأعلى الصوت ، بلا خجل ، بلا خوف ولا وجل ، أن سجل أنا عربي...

 

قبلة كبيرة على جبينك أيها الجميل والمجد والرحمة لروحك والخلود........








طباعة
  • المشاهدات: 12386
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
10-08-2008 04:00 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل اقتربت "إسرائيل" ولبنان من التوصل لاتفاق إنهاء الحرب؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم