حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,19 يناير, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 16688

تحديات ممتدة تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في 2015

تحديات ممتدة تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في 2015

تحديات ممتدة تواجه دول مجلس التعاون الخليجي في 2015

18-01-2015 09:26 AM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سرايا - يقف على قمة التحديات الممتدة التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي، وكثيرا من الدول العربية الأخرى في 2015 تحدي مشروع الدولة الوطنية (nation state)، دولة لكل مواطنيها يعلو ولاؤهم لها على كل الولاء العشائري والقبلي والمذهبي وفيها ينخرط المواطنون في مؤسسات الدولة المختلفة، ويتمتعون بحقوقهم ويمارسون واجباتهم دون تمييز.
وبدأ هذا التحدي في البروز بعد الاحتلال الأميركي للعراق في 2003، وحل مؤسساته وإفشال دولته وتمدد النفوذ الإيراني فيه، وإذكاء الصراعات المذهبية والقومية بين أبنائه، وبروز اتجاهات قوية لتقسيم العراق على أساس طائفي وقومي، ثم تمدد اتجاهات التقسيم إلى دول عربية أخرى: سورية واليمن وليبيا، بعد دحرها إلى حالة من الفوضى الشاملة وفشل الدولة، ما أوجد مناخًا لتمدد تنظيم "القاعدة" وبروز العديد من التنظيمات الأخرى على أسس طائفية مدعية الانتصار للطائفة التي تنتمي إليها، وامتلاكها إحياء مشروع إسلامي.
وبسطت هذه التنظيمات وعلى رأسها "داعش" و"جبهة النصرة" و"خراسان"، وجماعات الإسلام السياسي في ليبيا كتنظيمات سنية، و"حزب الله" اللبناني و"الحوثيون" في اليمن كتنظيمات شيعية، هيمنتها على مساحات كبيرة.
هذه الحالة الكبيرة من الفوضى المسلحة يراد بها أن تنتهي إلى القضاء على مشروع الدولة الوطنية، وإعادة تقسيم دول المنطقة على أسس طائفية وقومية وقبلية وجهوية، وهو الخطر الذي يهدد الدولة الوطنية في مجلس التعاون الخليجي.
ويأتي التحدي الثاني وهو التحدي الأمني والسياسي الذي يطول كيان الدولة نفسه وليس فقط نظامها السياسي وهو ما يتمثل في تمدد سيطرة تنظيمات مصنفة دوليًّا كتنظيمات إرهابية، وفي مقدمتها "القاعدة" و"داعش" و"الحوثيون" على الأرض فالمساحة التي يسيطر عليها "داعش" حاليًّا في كل من العراق وسورية تعادل مساحة بلجيكا، وتحوي العديد من الحقول النفطية كما تسيطر "القاعدة" على أجزاء كبيرة من شرق وجنوب اليمن، ويسيطر "الحوثيون" على معظم اليمن بما فيها العاصمة، والحلول التي تبناها النظام الدولي ضد هذه التنظيمات هي قاصرة إلى الآن عن وقف تمددها.
هو لا يفعل شيئًا إزاء التمدد الحوثي في اليمن، ويعتمد على الضربات الجوية، وتمكين البشمركة الكردية والقوات الأمنية العراقية والمعارضة السورية، وكلها لا تملك تفوقًا على "داعش" التي تعتمد أساليب الكر والفر وإغراء السكان وإرهابهم، واللعب على الوتر الطائفي، وبينما يهيئ تمكين البشمركة لولادة دولة كردستان، يهيئ مسرح مواجهة "داعش" في العراق وسورية لتمدد النفوذ الإيراني، كما يتمدد هذا النفوذ من خلال الحوثيين في اليمن، وبينما أصبح الحوثيون يقفون على حدود المنظومة الخليجية من الجنوب، يقف خطر تمدد "داعش" على حدود المنظومة الخليجية من الشمال.
وتفتح هذه التحديات الباب لتحديات أخرى يقف في مقدمتها تهريب البشر والأسلحة والمخدرات والنفط ومكرراته، وقد غدت اليمن مثلاً نتيجة فشل الدولة بوابة كبيرة للهجرة غير الشرعية القادمة من القرن الإفريقي إلى السعودية ودول المنظومة الخليجية الأخرى، كما غدت الحدود المفتوحة بين سورية والعراق، وبينهما وجوارهما مسارات لعمليات تهريب نشطة يوميًّا، ليست دول المنظومة الخليجية بعيدة عن التأثر بها، ما يلقي بأعباء جسام على جهود مؤسساتها الأمنية التي أصبحت موزعة بكثافة على حدود كانت تعد في السابق حدودًا آمنة.
ويتواكب مع هذه التحديات انخفاض أسعار النفط الخام، سلعة التصدير الخليجية الأولى، إلى نحو 50 دولارًا للبرميل، معرضًا معظم الموزانات الخليجية التي تمثل الإيرادات النفطية مصدرها الأول لحالة عجز إن استمرت هذه الأسعار على انخفاضها في 2015، وإن كانت كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت قد راكمت صناديق سيادية ضخمة تمكنها من امتصاص هذه الصدمة، كما تلجأ البحرين وعمان للاقتراض لتغطية هذا العجز، وقد أعلنت كل بلدان مجلس التعاون الخليجي أن إنفاقها الاستثماري والاجتماعي لن يتأثر بأزمة انخفاض أسعار النفط، إلا أن هذه الأزمة تدق الباب مجددًا في اتجاهين.
الأول: هو زيادة سرعة خطى تنويع الاقتصادات الخليجية للحفاظ على النمو المستدام، والثاني: إصلاحات سوق العمل الهادفة إلى زيادة نسبة العمالة الوطنية في هذا السوق، خاصة في القطاع الخاص، لتقليل الضغط الواقع على الاقتصادات الخليجية والهوية الثقافية للمجتمعات الخليجية من زيادة الاعتماد على العمالة الوافدة غير العربية والتي غدت تمثل نحو 37 % من مجموع السكان في المنظومة الخليجية مجتمعة.
في مواجهة هذه التحديات تبرز أهمية التضامن الخليجي وهي الرسالة التي بعثت بها تحركات خادم الحرمين الشريفين ابتداءً من دعوته للاتحاد الخليجي واستمراره في المبادرة ودعم جهود أمير الكويت في رأب الصدع الذي حدث في البيت الخليجي، ولا نستطيع أن نقول إن "مبادرة الاتحاد وإن توارت أو فتر الحماس بشأنها قد انتهت إلا أن الأساس الذي قام عليه مجلس التعاون الخليجي وهو التوحد في مواجهة أخطار وشيكة داهمة يكتسب قوة دفع كبيرة هذا العام بسبب تعاظم هذه الأخطار وأنها أصبحت على الأبواب".
وتفرض تلك التحديات سيناريوهات مختلفة خلال العام 2015:
أولها: استمرار الوضع كما هو عليه، إن أفلحت التحركات الدولية في وقف تمدد "داعش"، والوصول إلى حالة من اقتسام النفوذ على الساحة اليمنية، واستمرت المفاوضات النووية الإيرانية دون نتيجة. وسيكون لهذا السيناريو إذا ما تحقق انعكاسات على دول الخليج، كاستمرار حالة القلق بشأن مستقبل المنطقة، وما يترتب عليه من ضياع مزيد من فرص التنمية في مقابل سباقات التسلح وضعف تدفق الاستثمارات، الأمر الذي قد يفاقم منه استمرار انخفاض أسعار النفط المورد الرئيس لدول الخليج، وما قد يسببه من عجز في ميزانياتها.
والسيناريو الثاني: هو سيناريو تصاعد التهديدات الخارجية، ويشمل شقين:
الشق الأول: استمرار تصاعد الإرهاب متمثلاً في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ما قد يؤدي إلى تفكك العراق، وهنا لن تقف حدود الخطر عند الداخل العراقي فقط، وإنما قد يمتد إلى دول الجوار؛ سواء لجهة تفاقم حالة الانفلات الأمني وزيادة وتيرة عمليات تهريب السلاح والمخدرات وغيرها، أو لجهة ممارسات تنظيم "داعش" الذي سيسعى إذا تفكك العراق لإيجاد ظهير له في إحدى هذه الدول، عبر آلية التجنيد عن بعد، ومن ثم تصدير العنف، وهو ما يعني أن نجاح نموذج "داعش" في العراق يمكن أن يغري بتكراره في دولة أخرى مثل اليمن في مواجهة التمدد الحوثي، وهو البلد الذي يعاني من ضعف قدرة الدولة على بسط نفوذها على المناطق الطرفية والحدودية، والفراغ السياسي والأمني الناتج عن اتساع النطاق الجغرافي للمناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الحوثية داخل الدولة التي تشهد صراعات داخلية، وزيادة معدلات التوظيف السياسي للشعارات الدينية، وانتشار المد القاعدي الأصولي.
الشق الثاني: يدور حول إيران؛ حيث هناك عدد من الاحتمالات حولها، والتي تمثل في إجمالها خطرًا على دول الخليج؛ ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة، الأول: يتمثل في الوصول إلى تفاهمات أميركية إيرانية قد تؤدي إلى قيام تنسيق استراتيجي بين إيران والولايات المتحدة سيكون على حساب دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث إن أي تحرك إيراني في المنطقة سيكون معه موافقة ضمنية أميركية.
والثاني: أن يؤدي تصاعد توتر العلاقات بين إيران ودول الخليج إلى محاولة الأولى اللعب على الوتر الطائفي في الثانية، ورغم أنه من المستبعد قيام مواجهة عسكرية مباشرة بين دول المجلس وإيران، فإن ذلك لا يمنع من إمكانية نشوب مناوشات وعبر وكلاء لها من خلال استغلال بعض أذرعها في دول المنطقة.
والثالث: أن تمتلك إيران قنبلة نووية، وتتحول إلى قوة مهيمنة في المنطقة، وتحكم سيطرتها على العراق، ويزداد نفوذها في سورية ولبنان، وتتمسك باحتلالها للجزر الإماراتية، وتتمادى في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهو أمر يمكن أن يدفع بدول مجلس التعاون، وتحديدًا السعودية، إلى السعي بدورها لامتلاك سلاح نووي في مواجهتها.
وهناك آراء ترى أن تطور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران لا يعني تراجعًا في علاقات الأولى مع دول الخليج، بل إن العلاقات ستزيد متانة بين دول الخليج والولايات المتحدة، استنادًا إلى الرصيد الكبير من المصالح المشتركة بين الجانبين، ومع الأخذ في الاعتبار أيضًا أن واشنطن لا تريد أن تصبح إيران دولة نووية، وتتبع في ذلك سياسة الاحتواء في الخليج العربي، وهو ما يعني في المستقبل إمكانية أن تشترك دول الخليج مع الولايات المتحدة في احتواء النفوذ الإيراني، شريطة أن تدرك الدول الرافضة لفكرة الاتحاد أن الخريطة السياسية في العالم تحسب حساب التكتلات السياسية الإقليمية، ومن جهة أخرى عليها أن تدرك أن الأخطار التي تهددها لن تقتصر على دولة بعينها، وإنما سوف تشمل الجميع، وبالتالي فهي بحاجة إلى تحصين نفسها ضد كافة التهديدات والمخاطر، وذلك عن طريق تنسيق سياساتها وتعزيز علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى، وإخضاع النظام الأساسي لمجلس التعاون للمراجعة والتحديث لكي يتجاوب مع التطورات والمستجدات، مما يؤدي إلى إصلاح العمل الخليجي المشترك وصولاً إلى التكامل المنشود، من خلال إعادة النظر وبقوة في فكرة الاتحاد الخليجي والتي تعد مخرجًا مهمًا لحماية أمن الخليج. ومن جانب آخر فهي ستربط دول الخليج بمحيطها العربي خاصة مصر التي تعد أمن الخليج جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي لمصر، مما يقوي المحيط الأمني بكونه رافدًا للعمل العربي المشترك.
وبالتالي، رغم أهمية مسألة تطور النفوذ الإيراني في المنطقة؛ فإن ذلك لا يجب أن يستحوذ على أهمية أكبر من فكرة ترتيب البيت الخليجي من الداخل؛ حيث إن الأمر يحتم على دول مجلس التعاون أن يكون لها سياسة أمنية وسياسة خارجية موحدة، وتعاون اقتصادي أكبر، بما يعزز قدرتها الذاتية على حماية أمنها ومصالحها في ظل بيئة إقليمية غير مستقرة.
ومن المهم أن تتحسب هذه الدول لاحتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة، ربما لأخطاء في الحسابات، بما يتضمنه ذلك من ضرورات لبلورة خطط للتعامل مع التداعيات المحتملة لهذه الحرب فى حال نشوبها.








طباعة
  • المشاهدات: 16688

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم