19-01-2015 01:13 PM
بقلم : المحامي هشام حسين الخصاونة
العبرة دائما في حقائق الامور وليس بأشكالها فالتطبيق العملي على ارض الواقع هو الذي يعكس مدى نجاح تطبيق قانون ما او نظرية ما .
وهنا وفي مقالي هذا وبصفتي محامي وطالب دراسات عليا في القانون العام اود الحديث عن موضوع سررت كما سرر كل اردني به وهو إنشاء محكمة دستورية في الاردن.
فنظريا ان امر وجود محكمة دستورية تراقب دستورية القوانين والأنظمة وتفسر النصوص الدستورية امر رائع ومطلب شعبي وغاية قانونية تقود الى حماية الدستور وتفعيل مبدأ سمو الدستور تفعيلا فعليا لا سيما ان الدستور هو الركيزة الاساسية للنظام القانوني في اي دولة ويتربع على عرش الهرم القانوني في الدولة ويتعين على كل من هو دونه احترامه واحترام القاعدة القانونية لا يكون إلا بوجود ما يجبر الناس او السلطات على احترامها وإيقاع الجزاء على من يخالفها فكانت المحكمة الدستورية وهي احدى طرق الرقابة على دستورية القوانين في العديد من الدول مثل امريكا وغيرها.
وفي الاردن وبعد تعديل الدستور الذي جاء تلبية لمطالب شعبية بالإصلاح فما كان من جلالة الملك المفدىالا ان امر بإجراء العديد من التغيرات والاصلاحات ومن ضمنها انشاء محكمة دستورية في الاردن وهذا ما نص عليه الدستور المعدل في مواده 58,59,60,61 على تشكيل محكمة دستورية في الاردن وبناء عليه صدر قانون المحكمة الدستورية رقم 15 لسنة 2012.
الا ان قانون المحكمة وبعد دراسته والإطلاع عليه وبالنظر الى واقع الحال نجد ان القانون جعل امر الطعن لدى المحكمة امر طويلا ومعقدا حيث نص القانون في المادة 9 منه على ان الجهات التي تملك حق الطعن المباشر لدى المحكمة هم مجلس الاعيان ومجلس النواب ومجلس الوزراء وارى هنا ان حصر الحق في الطعن لهذه الجهات امر غير سليم حيث ان الجهات المذكورة هم صناع القوانين بصورة مباشرة او غير مباشرة فكيف لمن يضع القانون ان يطعن به لدى جهة اخرى مع العلم ان القانون سمح للجهات المذكورة بتعديل القوانين وإلغاؤها , هذا يؤدي الى ضعف كبير في تحريك الطعن المباشر من الجهات المذكورة.
هذا من جانب ومن جانب اخر وفيما يتعلق بالطعن غير المباشر والذي نصت عليه المادة 11 من قانون المحكمة الدستورية حيث وضع القانون اليه طويله وصعبة للوصول الى المحكمة الدستورية حيث سمح لاي طرف من أطراف دعوى منظورة امام المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها الدفع بعدم دستورية اي قانون او نظام واجب التطبيق على موضوع الدعوى ويكون ذلك بتقديم طلب للمحكمة التي تنظر الموضوع وأعطى الصلاحية اما في رفض الطلب اذا رأت عدم جديته او احالته الى محكمة التمييز اذا رأت جديته فهي تقوم هنا بدراسة القانون من الناحية الدستورية وتقوم بدور المحكمة الدستورية فإذا رأت جدية الطلب تكون قد رأت ان القانون فيه مخالفة دستورية او على اقل تقدير اقتنعت بما جاء بالطلب فتحيله الى محكمة التمييز والتي بدورها تقوم بدراسة الطلب وتتأكد من مدى جديته اي تنظر في ما جاء به من مخالفته للدستور فإذا رأت جدية الطلب احالته الى المحكمة الدستورية واذا رأت عدم جديته تعيده للمحكمة التي تنظر الموضوع هنا في مثل هذه الحالة وعندما يرفض الطلب ويعاد لقاضي اول درجة فانه سوف يحكم بما هو غير مقتنع به وهذا امر غير سليم .
من ناحية اخرى فقد سلبت المحكمة الدستورية قاضي الموضوع من ممارسة رقابة الامتناع على تطبيق القانون المخالف للدستور حيث كان وقبل تفعيل دور المحكمة الدستورية يحق لقاضي الموضوع البحث في دستورية النص القانوني باعتباره امر يتعلق بالنظام العام سواء بناءا على طلب احد اطراف النزاع او من تلقاء نفسه بحيث يحق للمحكمة الامتناع عن تطبيق القانون او النص القانوني المخالف للدستور باعتبار الدستور اسمى القوانين وباعتبار ان الواجب الرئيسي للقاضي هو تطبيق القوانين وهنالك العديد من الاحكام التي صدرت من المحاكم الاردنية والتي اشتملت على ايقاع الرقابة على دستورية القوانين حيث انه وباعتبار الدستور مصدرا للسلطات جميعا وقد وزع السلطات على اساس التزام كل سلطة للمبادئ التي قررها الدستور لها فإذا وضعت السلطة التشريعية تشريعا غير دستوري فأنها لا تستطيع اجبار السلطة القضائية على تطبيقه.
هذا كله عبارة وجة نظري كمحامي وقانوني وطالب دراسات عليا في القانون العام ومهتم بدراسة القانون الدستوري لا سيما في الاردن حيث ارى وجود بعض المعيقات في قانون المحكمة الدستورية قد تعطل الالية التي من اجلها انشئت المحكمة الدستورية والذي يتمثل في تطوير الحياة الدستورية والقانونية في الاردن وتحقبق الحماية الافضل والاقوى للقواعد الدستورية حيث ان تطور الدستور والقوانين ما هو الا مرآة لتطور الشعب ونضوج افكارة وتلبية لما ارادة قائد المسيرة مليكنا المفدى اطال الله بعمرة.