25-01-2015 09:55 AM
سرايا - سرايا - صدر حديثًا للزميل بلال حسن التل رئيس «المركز الأردني للدراسات والمعلومات» كتاب جديد بعنوان «حوار مع الإسلاميين حول التعصّب والتكفير وأشياء أخرى» ويقع الكتاب في مقدمة، وخمسة فصول.
يطرح الفصل الأول من الكتاب «أسباب ظهور الفكر التكفيري»، عددًا من الأسئلة حول: نموذج الحكم الذي يدعو إليه الإسلاميون. وهل نموذج الخلافة مُلزم؟ وهل الدخول إلى الحكم هو السبيل الأول لإصلاح المجتمع؟ ثم يناقش التفسيرات المختلفة لظهور «داعش» التي يراها التل مع أخواتها أحدث إفرازات التطرّف والتكفير. مؤكدًا على أن أبرز أسباب ظهور التطرّف الذي يقود إلى التكفير، هو البيئة الحاضنة وأهم مكوناتها الفقر، والبطالة، والاستبداد، وغياب مبدأ تكافؤ الفرص إضافة إلى الاحتلال الأجنبي، والتوظيف السياسي لظاهرة التكفير.
وعن أسباب ظهور التطرّف والتكفير يقول التل في كتابه الجديد: إن التطرّف والتكفير صفتان ملازمتان لمراحل التخلّف، والضعف، والانحطاط الحضاري التي مرت بها أمتنا في فترات مختلفة من تاريخها، ومنها الفترة التي نعيشها، وأهم ملامحها غياب مفهوم الأمة وبروز الانتماءات الفرعية المذهبية والطائفية واختلال المفاهيم؛ ومن ثم فإن الخروج من هذه المرحلة ومواجهة موجة التطرّف تحتاج إلى عملية نهوض حضاري شامل، يبدأ من إصلاح مؤسسات بناء القناعات والمفاهيم، وأبرزها التعليم والثقافة والإعلام والوعظ. مؤكدًا إن مقاومة التطرّف ليست مسؤولية الحكومات فقط، بل هي مسؤولية المجتمع كله.
في الفصل الثاني «مسؤولية الحركات الإسلامية عن بروز الفكر التكفيري»، يُحمّل المؤلف أحزاب وجماعات وحركات الإسلام السياسي جزءًا من المسؤولية عن ظهور التطرّف والتكفير، بسبب الأخطاء التي وقعت فيها هذه الحركات، وأولها تغليب الخطاب السياسي على الخطاب التربوي، حيث زاد الخطاب السياسي من شحن قطاعات واسعة من الناس ضد واقعهم دون أنْ يقدم هذا الخطاب حلولاً لمشكلات هذا الواقع.
يقول التل في هذا الفصل: إنه في إطار تبنيها للخطاب السياسي والمبالغة فيه، رفعت الحركات الإسلامية شعاري الإصلاح والتغيير، دون أن تقدم نموذجًا نظريًا أو عمليًا للمجتمع الذي تريد الوصول إليه، من خلال عمليتي الإصلاح والتغيير اللتين ثم خلطهما وتجاهل ما بينهما من فروق، متسائلاً عن النموذج الذي يمثل الإسلام: هل هو نموذج طالبان في باكستان، أم نموذج «داعش» في سوريا والعراق، أم نموذج الإقصاء والتهميش والتحرش الجنسي في مصر، أم نموذج باكوحرام في نيجيريا؟ وهذا السؤال الذي يطرحه التل في كتابه، هو واحد من جملة أسئلة يتضمنها الكتاب، من بينها سؤال: هل الوصول إلى الحكم أولوية من أولويات الدعوة للإسلام؟ مبينًا أن الإسلام اعتمد أسلوب تغيير القناعات عبر تعليم الناس لتغيير واقعهم وإصلاحه، فإصلاح المجتمع وفق منطوق القرآن والسيرة النبوية يتم أولاً بتعليم الناس لحقوقهم وواجباتهم وبناء قناعاتهم، وليس بالجبر والقوة والإكراه.
ومن أسباب مساهمة الحركات الإسلامية في بروز التعصّب والتكفير كما جاء في هذا الفصل، مساهمة هذه الحركات في إيجاد حالة الفوضى الفكرية التي تعيشها المنطقة، كذلك غرق هذه الحركات في التنظير دون أن تقدم برامج عملية لحل مشكلات المجتمع.
المؤلف استعرض في هذا الفصل إلى ذلك، أسباب النجاح الجزئي الذي حققته الحركة الإسلامية في بعض البلدان، وأولها: الخطاب الحماسي الذي يؤثر على مشاعر الناس وتوجهاتهم، واستثمار العمل الاجتماعي الذي حول الفقراء إلى خزان انتخابي؛ إضافة إلى المال الذي وظفته بعض الدول لخدمة بعض جماعات الإسلام السياسي، ومن أسباب النجاح الحزبي للحركات الإسلامية أيضًا، ضعف التيارات الأخرى.
كما استعرض المؤلف في هذا الفصل الكثير من العيوب التي اشتركت بها الحركة الإسلامية مع الواقع الذي تدعو إلى إصلاحه وأولها: كثرة انشقاقات الحركة الإسلامية، وغياب تداول السلطة فيها، وافتقارها إلى القيادات التاريخية.. وكذلك غياب التجرد والإيثار عند أفرادها، إضافة إلى مرض النرجسية الذي ابتليت به الحركة الإسلامية، ما جعل منتسبيها يعتقدون أنهم فوق الآخرين.. كما أن النرجسية تُعمي صاحبها عن عيوبه، وتجعله يبالغ في البحث عن عيوب الآخرين. متسائلاً عن الفرق بين هؤلاء وبين الطغاة من الحكام.
من عيوب الحركات الإسلامية التي ساهمت في تكريس الفوضى الفكرية ويتناولها المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب، اختطاف الإسلام من قبل هذه الحركات التي صارت تتعصب لفكرها وفهمها للإسلام، ولكتب قادتها ورموزها، أكثر من دعوتها إلى الإسلام النقي الصافي. وهذا التعصّب للتنظيم ساهم في بروز الفكر التكفيري. وفي إطار اختطاف الإسلام ثمَّ استحضار الخلافات التاريخية ليبرر كل فريق فهمه للإسلام.
كما استعرض المؤلف في هذا الفصل إخفاقات الحركات الإسلامية، وهي الإخفاقات التي ساهمت هي الأخرى في ظهور تيار التكفير، ومن أبرز هذه الإخفاقات عدم مصداقية الحركات الإسلامية في مقاومة الاستبداد، وإخفاقها في تحدي قبول الآخر، وتحدي احترام العهود والمواثيق، وتحدي مبدأ تكافؤ الفرص، وتحدي الانتقال من المعارضة إلى الحكم، وهو التحدي الذي كشف فقر الحركات الإسلامية للكوادر القادرة على إدارة الدولة، وغياب البرامج التطبيقية لحل مشكلات الدولة والمجتمع.
خصَّصَ المؤلف الفصل الثالث «علاقة المسلمين بالآخر» للحديث عن علاقة المسلمين بالآخر باعتبارها من القضايا التي سلطت ممارسات التكفيريين خاصة تنظيم «داعش» الضوء عليها. مؤكدًا أن الإسلام كما ورد في القرآن والسنة، إضافة إلى الممارسة التاريخية للمسلمين في عصور الازدهار الحضاري، يدعو إلى بناء الدولة القائمة على المواطنة التي يتمتع بها الجميع بحق حرية الاختيار، بما في ذلك حرية اختيار المعتقد، دون أن يؤثر ذلك على حقوقهم في المواطنة.. ومن بينها حق غير المسلمين بالمشاركة في إدارة الدولة والاندماج الاجتماعي وفي الدفاع عن الوطن.
الفصل الرابع حمل عنوان «تصحيح المفاهيم».. حيث ركز المؤلف على أن السبب الرئيس لما نحن فيه، خاصة لجهة بروز التكفير هو اختلال فهم المسلمين لدينهم، وهو الاختلال الذي أصاب حتى فهمهم للعبادات ومغازيها، وفي ظل هذا الاختلال تحولت العبادات الإسلامية من مدخل لنظام أخلاقي متكامل يتجسّد سلوكًا في الواقع، إلى مجرد طقوس لا يفقه الكثيرون معانيها. وهذا الاختلال في فهم الإسلام سبب رئيس من أسباب ظهور التكفير، ومن أسباب النظرة السلبية للآخر.
أما الفصل الخامس «الحلّ والمخرج» فقد خصّصه التل للحديث عن الحلول والمخارج، وأولها الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة العمل، داعيًا إلى ثورة فقهية تحرر الخطاب الإسلامي من ركام الموروث التاريخي، الذي يتناقض مع روح الإسلام وجوهره، ولا يتناسب مع روح العصر، انطلاقًا من أن جلّ ما في هذا الموروث هو اجتهادات كانت بنت عصرها وبيئتها. والثورة الفقهية المطلوبة لا بد لها من الإجابة على أسئلة العصر وتحدياته، لتُسهم في قبول المجتمعات بالحل الإسلامي لمشكلاتنا.
وتزامنًا مع الثورة الفقهية دعا التل في كتابه الجديد إلى نهضة فكرية، يقودها مفكرون تنويريون، تقدم حلولاً تنويرية لمشكلات الواقع في إطار من التعددية وحرية الاختيار، ونهضة فكرية، وخطاب إسلامي جديد يتبنى مفاهيم العدل، والمساواة، والإنتاج، والتعاون، ويقود إلى عملية نهوض حضاري شامل تستطيع الأمة من خلاله الخروج من عنق الزجاجة، ومواجهة مختلف أمراضها الاجتماعية والفكرية. وفي طليعتها التعصّب والتكفير.