28-01-2015 10:29 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
الديمقراطية منهج سلوك الإنسان في هذه الحياة ,منهج مصدره الفطرة الإنسانية التي تجعل من الإنسان كائن اجتماعي مدني متحضر أممي,ليعيش الإنسان في كرامة وعزة في ظل مجتمع يحترم ويفرض الروابط الإنسانية التي تربط الإنسان بالإنسان وتحترم الطبيعة البشرية في تعدد آرائها وأعراقها واعتقادها (لا إكراه في الدين), وتجعل من هذا التعدد قوة ووحدة وتقدم ولا يكون ذلك إلا في ظل الديمقراطية ومبادئها الإنسانية,لهذا فان تفاوت الأمم عبر التاريخ في رقيها وتقدمها كان بقدر وعيها وثقافتها وحرصها على إن تحكم بمبادئ الديمقراطية في حياتها والتي تعني حكم الشعب لنفسه .....
لهذا فان تفاوت المجتمعات في الرقي أو في التأخر والانحطاط منبعه الإنسان نفسه ,كون الناس في أي مجتمع تحكم نفسها بالمفاهيم الغالبة والظاهرة على تصرفاتها كالعادات والتقاليد والأعراف العشائرية والتشاريع الدينية ,لهذا فان نفس الأمة قد تفاوتت في مراحل تاريخها بين الرقي والتأخر وذلك تناسبا مع المفاهيم والنهج السلوكي للمجتمع (كما تكونوا يولى عليكم). (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)......
يحضرني في هذه اللحظة سؤال لصديق لي لماذا الغرب متقدم علينا في كل شيء حتى في المعاملات الإنسانية,والجواب على ذلك من خلال الواقع,أن الغرب رغم علمانيته وتعدد آرائه وأعراقه اعتمد قوانين وضعية على مبدأ الديمقراطية (حكم الشعب لنفسه) حتى أصبحت عادة تربى عليها أجيال عديدة ,أما نحن فواقعنا يتطابق مع خصال النفاق عندما سميناها بمسميات أخرى وذلك تحايل على الفطرة الإنسانية التي ترفض هذه الخصال ,فماذا تعني كلمة الواسطة والمحسوبية ,وعلى أي أساس يتم انتخاب النواب, أمثلة عديدة حاضرة في كل حياتنا تبقينا في ضلال النفاق الذي لا مبدأ له ولا هدف سوى التبعية وهذا متمثل في واقع حياتنا ,(وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ).....
مما ذكر فإننا بعيدين كل البعد عن مفهوم الديمقراطية الحقيقية وذلك لغياب مفهوم الإنسانية في حياتنا وروح المشاركة والتعاون على البر والتقوى ,لغياب مفهوم أهمية وفائدة المصلحة العامة في الحياة ,بعيدين عن الديمقراطية الحقيقية لان عقلية إلغاء دور الآخرين , وعقلية الاستبداد لرغبة الأنانية الفردية مزروعة في النفوس, وهي الغالبة في حياة المجتمعات العربية ...
هذا ما نلاحظه حتى في الأيدلوجية الحزبية سواء داخل الحزب الواحد الذي يتقلص لحكم الفرد الواحد المطلق, آو في سياسته الخارجية وهي استقصاء الآخرين , وعدم احترام الرأي والرأي الآخر , كما هو الحال الذي شاهدناه مع الأحزاب القومية التي تمكنت من الاستحواذ على السلطة وممارسة ديمقراطية النفاق التي تعودت عليها المجتمعات, نشاهدها في انتخابات النقابات وتناحر الأحزاب فيها وعلى تنوعها,نشاهدها في الانتخابات الجامعية ,نشاهدها مع من ادعوا أنهم رموز للمعارضة ,ونشاهدها مع تعدد الأحزاب المعارضة التي تتقاتل مع بعضها البعض وفي نفس الوقت تتقاتل مع الأنظمة المستحوذة على السلطة مما يدل على ان الهدف هو التسابق في الاستحواذ على السلطة المطلقة,في الوقت الذي يتقدم فيه مفهوم الديمقراطية العلمانية في العالم الغربي وأصبحت الأحزاب تتآلف مع بعضها البعض لتشكيل الحكومات ,بل أنها تستقيل من السلطة عند أي تقصير لأنها تعمل من اجل المصلحة العامة الجامعة ...