17-03-2015 09:24 AM
بقلم : أيمن موسى الشبول
رغم قساوة العيش والجوع والعوز ؛ لم نسمع لامهاتنا الطيبات والمخلصات كلمة سخط وضجر ، إنهن أمهات صابرات واجهن هذه الحياة بأيمان وثبات وصدق ، وصبرن على مرارة العيش دون تأفف وشكوى ؛ بعد أن إستقر في نفوسهن المؤمنة بأن الصبر ثم الصبر هو سر النجاة ومفتاح الفرج ...
كان سلاحهن الداءم : الصبر والإيمان ؛ وكان أملهن الدائم : نيل رضا الله بطاعة الأزواج وبرعاية البيت والأولاد ... ورغم العناء الكبير ورغم الجهد والتعب ؛ فالهمة عندهن على الدوام عالية والقلوب لديهن على الجميع حانية ، ؛ حياتهن كلها شقاء يومي وأبدي ولا ينتهي ؛ ولكنهن صبرن واحتسبن كل ذلك من أجل الله ... فعدى عن إعداد وتجهيز الطعام كان لا بد لأمهاتنا الصابرات من تجميع الحطب ؛ وعدى عن غسيل الملابس كان لا بد لأمهاتنا الصابرات من جلب مياه الشرب من الأودية البعيدة والعيون ؛ وعدى عن الأعمال المنزلية الكثيرة كان لا بد لأمهاتنا الحبيبات والصابرات من مساعدة الأزواج في مواسم الحصيدة حيث القيض والحر واللهب ...
لله درهن من نساء مطيعات لأزواجهن ومربيات فاضلات لأولادهن !!! لله درهن كيف واجهن كل خشونة العيش وقساوة الحياة بصبر أسطوري وبكفاح وثبات ؛ فكن لابناءهن المربيات والموجهات والحاضنات ، وكن لأزواجهن العون والمدد والسند ...
قبيل الغروب كان لا بد لأمهاتنا الحبيبات الصابرات أن يجهزن عجنة الخبز ، وقبيل الشروق يبدأ مشوارهن اليومي مع خبز الصباح ... وما أحلاه من خبز وما أجمله من صباح !!
! ياااااا يااااااا على خبز الصاج الرقيق والشهي ! يااااااا يااااااا على خبز الطابون الشهي الفواح ! يااااااا يااااااا على خبز الفرن الفرنية الطري الشهي والفواح ! ... لقد ملأت روائح خبز الأمهات الزقاق والحارات ؛ وتلألأ خبز الأمهات بين أيديهن كقرص الشمس المشرقة والجميلة ... فما أشهاه من خبز„ وما أطيبهن من أمهات !
لا زلت أتذكر الأطفال الصغار وهم يتجمهرون حول فرن أمهاتهم الحنونان وهم ينادونهن بكل براءة ؛ أمي ... يا أمي الحبيبة ؛ إصنعي لي قرصي الصغير يا أمي الحبيبة ؛ أمي .... يا أمي الحبيبة ؛ جهزي لي قرصي الصغير يا أمي !!! فتجيبهم الأم بحنان وعطف : إنتظروا قليلا يا أولادي ؛ سوف اجهز لكم أقراصكم الصغيرة حسب أعماركم ... وما هي سوى لحظات قليلة حتى تجهز الأم كل أقراص الخبز المتفاوتة الإستدارة لأبناءها الصغار ؛ فتناول القرص الصغير لطفلها الصغير ، ويتناول القرص الأوسط إبنها الأوسط ، والقرض الأكبر لطفلها الأكبر ؛ هكذا كانت الحياة ... فما أبسطها من حياة ! وما أجملها من حياة مع تلكم الأمهات ....
فالرحمة نسألها لكل الأمهات اللواتن واجهن قساوة الحياة بصبر وصمت ؛ والرحمة نسألها لكل الأمهات اللواتي عشن لأبناءهن وكن لأزواجهن المخلصات والأمينات ، والرحمة نسألها لكل الأمهات اللواتي خرجن من دنياهن القاسية : راضيات ومرضيات ...
وأتوجه بدعائي الأخير إلى الخالق الكربم وإلى الرحمن الرحيم ، والذي خلق مئة رحمة ، ولكنه أدخر لنفسه تسع وتسعون رحمة وأنزل واحدة بين الخلائق ؛ بأن يشمل برحمته والدتي التي فارقت الحياة قبل أيام ؛ وبأن يرحم والدي الذي فارق الدنيا قبل سنوات وبأن يرحم كل مسلم قانت لربه وموحد„ لله ... هو الرؤوف وهو الرحمن الرحيم ...
لست ممن ينسى فضل أمه ولا مكانة أباه ، وبرغم البعد والفراق والرحيل ، فمكانكم في قلبي مكين ... ولن أنساكم ما حييت وسوف أحن إلى خبزك الذهبي ـ يا أمي ، وساتذكر قرصي الصغير ـ يا أمي ، وسأتذكر ابتسامتك الجميلة وقلبك الكبير ... فإلى جنات الخلد يا أمي .... والى جنات الخلد يا أبي ...