17-03-2015 10:00 AM
سرايا - سرايا - آن تايلر، الكاتبة الأميركية النزيلة الدائمة في قائمة المرشحين لجائزة نوبل، والحاصلة على جائزة البوليتزر عام 1988 عن روايتها “دروس في التنفس”.
ولدت عام 1941 في ولاية مينيسوتا، درست الأدب الروسي في جامعة كولومبيا، عضوة الأكاديمية الأميركية للفن، كتبت أولى رواية لها في عمر الثالثة والعشرين، وهي رواية “عشاء في مطعم المشتاقين للأهل”، وقد نقلها إلى العربية المترجم أمين العيوطي وصدرت عن “دار الأهرام”، وصلت تايلر أعلى أمجادها عندما قيل عنها إنها أعظم من كتبت باللغة الأنكليزية.
يدور موضوع رواية “عشاء في مطعم المشتاقين للأهل”، للكاتبة الأميركية “آن تايلر” حول ما يحدث من مشاكل داخل العوائل بين أربعة جدران. يقول الكاتب الأميركي الشهير جون أبدايك “تؤمن تايلر أن هناك متعة وغنى داخل كل عائلة”. كل واحدة من العوائل التي حكت قصتها في رواياتها العشرين تعتقد أنها حالة مميزة واستثنائية وأن مشكلتها لا تشبه ما يحدث داخل العوائل الأخرى.
مسيرة الزمن
تفترش تايلر مكانا ما في الظل داخل البيت مستعرضة شعور أفراد العائلة باستثنائياتهم، تنبش وتستخرج جوهر تلك الشخصيات من خلال ضوضاءاتها داخل البيت، أسلوبهم في عرض وجهات نظرهم، المرتبطة بمصالحهم الصغيرة وعلاقاتهم الواحد بالآخر، باحترافية عالية لمحلل نفسي، كاشفة عن المختبئ وراء السلوك الظاهري.
ويقول ليو روبسون الناقد الأدبي لمجلة نيوستيتسمان “إن كان هناك من يقول بوجود تراجع في صناعة الرواية فإن آن تايلر وتوني موريسون وفيليب روث ومارلين روبنسون يكذّبون هذا الزعم؛ إنهم الرأسمال الأدبي والمادي للقراء ودور النشر على حدّ سواء”.
ترسم آن تايلر في كل رواياتها مسيرة الزمن وتأثيره على مصير العائلة التي يجاهد كل فرد فيها، رغم صلة الرحم، على تحسين موقعه على حساب بقية أفراد العائلة. نحن نفس الأشخاص ساعة جئنا إلى هذه الدنيا، نعيش بنفس الأسماء حتى قدوم شيخوختنا، لكن الزمن هو من يجعلنا متنافرين.
كلام عاديّ وبسيط لكن فيه استثنائية وفرادة لا يسع أيا كان كشف تعقيدات تلك البديهية، الكاتبة الحاذقة وحدها من تسمع الموسيقى التصويرية وتكتشف أنها تنذر بوقوع حدث غامض. هذا هو جوهر الكتابة لديها: الارتقاء بالعادي البسيط إلى الذروة من خلال إدراك أهميته بأدوات تحليل تشبه ما يكشف بها عن الجرائم المختبئة تحت السطح.
هي حوادث مكرورة بالنسبة إلينا نحن الأشخاص العاديين، سبق لنا مشاهدتها في الكثير من المسلسلات، لكن تايلر، من خلال حوار قوي ومؤثر وميلودرامية عالية، قادرة على كشف الدوافع النفسية والتعرجات السرية الدفينة لأفراد غير قادرين، بسبب مصالحهم، على حشر أنفسهم داخل ثوب العائلة الذي يحاول الأب والأم الإبقاء عليه سليما دون رتق.
سرعان ما يفطن، من سيقرأ لتايلر، أنها تنهل مصادرها من إرث روائي عظيم وضع أسسه الفرنسيون والروس كأميل زولا ودوستويفسكي اللذين حوّلا الرواية إلى كاميرا تصوّر الشخصية، راسمين بأربعة أبعاد مجسما للفرد في كافة جوانب حياته.
ما يميّز آن تايلر، بخاصة، أنها أدخلت بعدا رابعا ألا وهو الزمن، حينما تُظهر شخصيتي “الأب والأم” وقد لحق بهما الهرم والمرض كما حدث في روايتها الجديدة، الصادرة هذا العام بعنوان “كبة الخيوط البيضاء”، عن دار تشاتو ووندس وتقع في 386 صفحة، والتي قامت الكاتبة بحبك حوادثها بطريقة تشبه خيطا أبيض، قام عامل ماهر بلفّه على خشبة إسناد الخيط بطريقة متقنة، جاعلة من انفلاته مستحيلا، لأنها هي، وبأناملها المدرّبة جيّدا، من قامت بسحب الخيط بدربة لا يعرف مأتاها غير من قام بلفّه، وبطريقة لا تجد لها مثيلا، سوى لدى زولا ودوستويفسكي.
ثلاثة أجيال
تدور القصة حول عائلة وستشانك: الأب آبي الذي يقع في حب الفتاة ريد، تتذكر الزوجة بعد زواجهما كيف أحبا بعضيهما وهما يسكنان نفس الحي في مدينة بالتيمور عام 1959، وكيف عاشا في نفس البيت الذي بناه والد الزوج الذي كان يعمل بنّاء، بكدّه المتواصل أيام الكساد الكبير حتى يورّثه لعائلة ابنه الذي كان يتمنى له ممارسة مهنة الحقوق كي يصبح محاميا وترتفع مرتبته في السلم الاجتماعي أعلى من والده، ولكنه الآن يمارس نفس مهنة والده.
لدى الزوجين موهبة رائعة تمثلت في إيهام نفسيهما أنهما يعيشان حياة راضية إن لم تكن رائعة، وتنجب العائلة ولدين وبنتين، وهم “ديني وستيم وجين وأماندا”.
هكذا تؤرخ الرواية حقب ثلاثة أجيال بمآسيها وأفراحها وأسرارها، كل مرحلة فيها الكثير بشأن كيف كانت العائلة مجتمعة تجاهد لتحسين قدرها وموقعها في عالم ليس فيه يسر كبير.
تُرسم الأحداث على خلفية شخصيات مختلفة، عبّأت الكاتبة باختلافاتها جوّ الرواية، فلم تترك واحدة منها دون إيلائها عناية خاصة: الأم الحنونة التي لا اهتمام لديها خارج حدود البيت، الزوج المكافح الذي رهن أمور البيت لزوجته لأنه مؤمن بقدرتها على إدارة شؤونه بكفاءة، الأولاد الذين يعيشون سوية ولكن المصالح الشخصية تضيّق الخناق على أواصر الأخوة فتسرع الخلافات في التسلل إليهم حتى وهم يعيشون سوية.
ثم بعد ستة وثلاثين عاما حين شاب الأب وهرمت الأم تجتمع العائلة خلال لقاء يمثل البؤرة المركزية في الرواية؛ تتلخص المشكلة الآن في أن الوالدين لم يدخلا مرحلة الهرم فحسب، بل إلى ما هو أسوأ: لقد أصيبت الأم بالخرف والأب بالصمم وبمرض القلب.
يعلن الأب والأم معه أنهما يملكان البيت ولكنهما بحاجة إلى الرعاية. نعم الرعاية وهما يدركان أن لكل شيء ثمنا، وليس لديهما ما يقدمانه غير الدار التي ستكون نصيب من سيرعاهما.
يدرك الأولاد أن الدار ستشكل ليس دعما ماديا لمن يقرّ بـ”التضحية” فحسب، بل ستشكل أيضا حرجا لأنه أشبه بثمن يحصل عليه من يقرر “العمل” لقاء هذا الثمن.
ذلك ما يقرره الابن الكبير عندما “يتطوّع″ في عمل ظاهره برّ الوالدين، وجوهره الحصول على منفعة لا فرق فيها بين غريب وقريب، رواية تتضمّن الواقع ممزوجا بالسخرية والمرارة.
أيّ دفء سيبثه الابن في عمل له حافز مادي وليس تعبيرا عن عرفان؟ لربما سيقول، هذا الذي يُطلق عليه اسم فلذة الكبد، إن أفضل خدمة يقدمّها إليّ والداي أن يسرعا في الموت.(العرب- رياض رمزي)