22-03-2015 10:39 AM
بقلم : هناء الخطيب
سأحدثكم عن امي .. الجميع يقول بأن الكلمات لا تفي بالغرض لوصف الكم الهائل من الجمال الذي تمتلكه الامهات داخل قلوبهن، وهذا صحيح، ولا حتى عروض المولات "قد المقام".
امي.. كرواتية الاصل، تركت بلادها ووالدتها لتعيش مع والدي في الاردن، وتركت دينها واعتنقت الاسلام، انجبتني واختي في قالب واحد، واعطتها قلبها منذ اليوم الاول، لمدة ثماني سنوات ونحن نتنفس انفاسها لوحدنا، الى حين جاء اخاي وتقاسماه معنا.
عملت في بلد غريب، وتحملت مشاقه، كانت تذهب باكرا للعمل وحين عودتها تعوضنا عن كل دقيقة ابتعدت فيها عنا، لم نشعر بالوحدة ابدا ولا حتى في غيابها، فكانت معنا لحظة بلحظة، حملتنا معها اينما ذهبت ، كنا صغارا واشقياء، وكانت تحبنا رغم الوحدة وبعدها عن عائلتها.
يستحيل عن احدثكم عن مدى الحب الكبير الذي تحمله في قلبها، وكأنها جمعت حب العالم اجمع لتعطيه ايانا، اذكر بأنها يوميا حين تعود من عملها كانت تشتري لنا الهدايا واللعب، واحيانا تحضر لنا تورتة مزخرفة بشكل خرافي لاسعادنا، سعادتها كانت بسماتنا وضحكاتنا.
لم تمر مناسبة الا واحتفلنا بها، رسخت في اذهاننا الفرح ونشر السعادة، والكرم وحب الغير، اذكر بأنني ولا مرة تخاصمت مع احدى زميلاتي في المدرسة، الكل احبنا، واعلم بان سر محبة العالم لنا حب امي لنا، فرضاها الدائم علينا سر نجاحنا الآن، وسعادتنا الذاتية.
مع انها لم تكن تجيد العربية آنذاكن الا انها كانت تتابع دراستنا يوميا، وتجعلنا "نسمع" كل دروسنا امامها، الى حين ياتي درس اللغة الانجليزية، فكانت موهبتها تعليم اللغات، تعلمناها بكل حب لان امي ابتكرت طريقة رائعة للتعلم يومها، عجزت عنها كافة المراكز التعليمية.
اضافة لاعتناقها دين الاسلام، كانت اول من يستيقظ لصلاة الفجر، وتوقظنا دائما، ولا تردد بتوبيخنا في حال تناسينا احدى الفروض، مع اننا لا نتحدث الا باللغة الكرواتية في المنزل الا انها تعلمت اللغة العربية كتابة ومحادثة حتى تسهل علينا وعلى نفسها عملية التواصل التي كانت اشبه بالحديد.
قلبها غير قابل للحقد، ولا الكره، ولها فضل على كثير من الناس لطيب قلبها، مع انها واجهت القليل من الهجوم كونها غريبة، الا ان الاسلام علمها الحب والاحترام – هكذا دائما كانت تقول – ومع كل الانتقادات حول لغتها العربية المكسرة الا انها قاومت وتعلمت ان تكون الافضل.
امي.. هي قدوتي التي ما ان نظرت إليها تأكدت بأنني ساقوم بتربية اولادي على نهجها،وسأعلمهم كما علمتني حتى وان كان الاسلوب قديما بالنسبة لهم، سأعلمهم الحب والاحترام وقول كلمة شكرا ولو سمحت – كما علمتني – سأبني جسرا من التفاهم بيننا تماما كما فعلت.
لن اتهاون بالتضحية من اجلهم، فأمي ضحت وتركت الجميع خلفها من اجلنا، تقدمت فتقدمنا، علمتنا ان الحلم سيصبح حقيقة لو فقط آمنا، فما حدثتكم به الآن عن امي، ما هو الا القليل القليل، وما زالت معطاءة ومحبة كيومنا الاول في هذه الحياة.
أمي.. في كل مرة انظر للمرآة فيها أرى بأنني اشبهك كثيرا، احمد الله على ذلك، فلي قلب امي وطيبتها، وشكل امي.. فلا اريد ان اشبه احدا سواك.