31-03-2015 10:06 AM
سرايا - سرايا - بعد إنطلاقته اللافتة في مهرجانات السينما العربية والعالمية: تورنتو ، فينيسيا، ابو ظبي، القاهرة ، الدوحة، قرطاج،لندن، مومباي، وسواها كثير، أثبت صناع الفيلم الروائي الأردني الطويل (ذيب) قدرتهم على منافسة قامات الفن السابع الرفيعة.
واصل فيلم (ذيب) الذي أنجزه المخرج الشاب ناجي أبو نوار ، مسيرته في ملتقيات السينما قاطفا جوائز النقاد كافضل فيلم وافضل مخرج، وحائزاً على إعجاب الحضور المتنوع الثقافات، حيث خصصت له الكثير من المهرجانات عروضا إضافية لتلبية رغبات رواد وعشاق السينما.
قبل أسبوعين حطّ (ذيب) رحاله في صالات العرض الموزعة بالمدن والعواصم العربية ومنها دور السينما في عمان بالأردن، تسبقه شهرة عربية ودولية ذائعة الصيت، من النادر ان حققها فيلم سينمائي اردني طيلة 55 عاما من الزمان على ظهور أول فيلم أردني طويل حمل عنوان (صراع في جرش) 1959.
صوّر فيلم (ذيب) مغامرة صحراوية تدور في البادية الاردنية ابان العام 1916، وتتلخص في حكاية الفتى البدوي ذيب وشقيقه حسين اللذين يتركان مضارب قبيلتهما في رحلة محفوفة بالمخاطر مع بدء الشرارة الاولى للثورة العربية الكبرى، حيث تقع على الفتى مسؤوليات جسام خاصة عندما يتعلق الأمر باصراره أن يعيش أمام كل هذا التطاحن والعنف والقسوة الآتية من الصراعات التي تنشب بين مجموعات من الناس المتنافرين في رؤاهم، فهناك عساكر العثمانيين والجنود البريطانيين ورجالات الثورة العربية الكبرى وعصابات قطاع الطرق، كل ذلك يسري في مناخات وتضاريس البيئة الصحراوية الصعبة.
أمام كل هذه التحديات يأتي اصرار الفتى ذيب على ان يصل الى نهاية رحلته الشاقةباطمئنان وثقة بعد ان يكون فهم ما يجري حوله من مخاطر تجول باحساسه العفوي في ولوج عتبة الرجولة ودراية الفروقات بين معاني الثقة والغدر والانتقام.
يحسب للمخرج ومؤلف الفيلم ابو نوار انه اختار موضوع فيلمه الحائز على جائزة افضل مخرج في قسم (آفاق جديدة) في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي بدورته الحادية والسبعين، من بين تلك القصص والحكايات المتداولة في الموروث الشفهي للبيئة البدوية وصاغ
من تلك الاشعار والقصائد النبطية المفعمة بالامل والصبر والتحدي فيلما سينمائيا يفيض بمفردات وعناصر من اللغة البصرية الآسرة.
اتكأ ابو نوار في انجازه لفيلم (ذيب) على ذائقته الشخصية في الشغف بتلك السينما الكلاسيكية العالقة في ذاكرة عشاق الفن السابع، خاصة افلام الايطالي سيرجيو ليوني الموسومة بسينما الغرب (الكاوبوي) او اشتغالات المخرج الاميركي جون فورد في فيلم (الباحثون)، وايضا افلام الاميركي سام بكنباه صانع فيلم (الزمرة المتوحشة)، والمخرج الياباني اكيرا كوروساوا صاحب الرائعة السينمائية (الساموراي السبعة)، لكن كاميرا الفيلم لا تدنوا من رائعة البريطاني ديفيد لين الملحمية المعنونة (لورنس العرب)، بقدر ما تستفيد–رغم ميزانية الفيلم المقتصدة–من البيئة والمكان والفترة الزمنية في تصوير فيلم بليغ بقيمته الجمالية والدرامية على نحو اكثر صدقا وفهما واحتراما لعقل المتلقي وذائقته حين قدم مشهدية جمالية تدور وقائعها في الصحراء الاردنية ابان فترة تاريخية مطلع القرن الفائت خلال التواجد العثماني.
تتمحور قصة الفيلم عن الفتى ذيب الذي يقطن مع افراد قبيلته البدوية جنوب الأردن، وذات ليلة يصل رجل من قبيلة أخرى ومعه ضابط بريطاني، ترحب بهما القبيلة وتستضيفهما بالكرم المعهود لعابري السبيل ثم يتبين ان الضابط البريطاني في مهمّـة عسكرية وهو بحاجة إلى دليل يوصله الى بلوغ طريقه المحفوفة بالمخاطر، ويقع الاختيار على شقيق ذيب ليقوم بهذه المهمة كونه يعرف تضاريس الصحراء هنا يقوم شقيقه الاصغر ذيب باللحاق بشقيقه وصحبه ويفرض نفسه عليهم ، لكن الفتى ذيب يكتشف ان بحوزة الضابط البريطاني صندوق يصر الاطلاع على محتوياته، لكن فجأة تداهمهم احدى عصابات قطّـاع الطرق ويسقط الضابط البريطاني وصاحبه صريعين ويهرب ذيب برفقة شقيقه الى كهوف جبلية ويتصديان معا لافراد العصابة لكن المعركة تستمر طيلة الليل ليكتشف ذيب ان شقيقه سقط هو الاخر صريعا ولم يبق سواه وواحد من افراد العصابة يعاني من جروح بليغة وينطلقا معا صوب واحد من مخافر الجنود العثمانيين حيث يريد رجل العصابة ان يبيع محتويات الصندوق لضابط المخفر العثماني لكن في هذه الاثناء يكون ذيب قد صمم على الثأر لشقيقه الذي قتله افراد العصابة.
وظّف ابو نوار تصويره البديع لوقائع الفيلم داخل فضاءات الصحراء الاردنية وتكويناتها وقدمها في جماليات مستمدة من عدسة مدير التصوير وولفغانغ تالر، حيث التوتر والغموض والتشويق وفطنة التدرج في تصعيد الاحداث والتأمل في معانيها وابعادها الانسانية والسياسية البليغة.
حصل فيلم (ذيب) في طور إنتاجه على دعم لتغطية جزء من تكاليف طاقم العمل، وذلك من خلال برنامج «قطار الأفلام» التابع للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، الذي يرمي إلى خلق فرص عمل للطاقم المحلي والاستثمار في تدريبهم إلى جانب توفير حافز مالي للمنتجين، كما قدمت الهيئة التسهيلات وخدمات الإنتاج اللازمة لتسهيل عملية التصوير.
أنجز الفيلم (ذيب) بتعاون إنتاجي بين شركة بيت الشوارب التي أسسها باسل غندور، مع نور بيكتشرز وشركة الخلود للإنتاج الفني، وشارك في الإنتاج كل من: نادين طوقان، ناصر قلعجي وليث المجالي.
تم تصوير الفيلم في البادية الجنوبية الأردنية بمشاركة عدد من أهالي المنطقة الحقيقييين، حيث ظهروا بأدوار رئيسية في الفيلم وهي تجربتهم الأولى في الوقوف امام الكاميرا بعد إشراكهم في ورش عمل للتمثيل والأداء، حيث برع المخرج أبو نوار في ادارتهم على نحو مميز خاصة في تلك الأدوار الرئيسية التي أدّاها: جاسر عيد، حسن مطلق، وحسين سلامة، ومرجى عودة، وهم من بين الاهالي القاطنين في تلك المنطقة النائية بالجنوب التي كانت شاهدة على وقائع حقيقية من احداث تلك الحقبة التي صورها الفيلم.
فيلم (ذيب) الذي شارك في اداء ادواره الممثل البريطاني جاك فوكس هو التجربة الثانية لناجي أبو نوّار في صناعة الافلام عقب تحقيقه لفيلمه الروائي القصير (موت ملاكم) الذي شارك فيه بالعديد من المهرجانات العربية والدولية، وجاء عمله بفيلم (ذيب) عقب دراسته الجامعية في لندن حيث انضم لورشة (راوي) لمؤلفي السيناريو في الأردن التي تُنظّم بالاشتراك بين الهيئة الملكية الاردنية للأفلام ومعهد ساندانس، وأمضى ثلاثة اعوام من العمل المتواصل في الكتابة والبحث عن التمويل ليتمكن من انجاز فيلم (ذيب) حيث نال منحة صندوق الملك عبدلله الثاني وصندوق سند في أبو ظبي، ومنحة مؤسسة الدوحة للأفلام، وصندوق رؤى من سويسرا.( الراي )