05-04-2015 04:52 PM
بقلم : علي الحراسيس
العرب غاضبون من أي اتفاق غربي ايراني بخصوص المشروع النووي الإيراني الذي لم يتراجع الايرانيون عن تنفيذه ، وقاتلوا قتالا عنيفا لاستمراره ،وهاهم يوقعون اتفاقا تحترم به أمريكا طموح ايران النووي ، وسيتلوه قرارات فك الحصار عن إيران مع بدايات التوقيع النهائي في حزيران القادم .
الحصار على إيران بدأ مع بداية الثورة الإسلامية " الخمينية عام 1979 " ، وتعاظم في التسعينيات من القرن الماضي وتوسع في الاعوام 2005 و 2007 من قبل مجلس الامن بعد ان اعلنت ايران ولادة المشروع النووي الإيراني ،ولم يستثمر العرب تلك السنوات من الحصار في بناء قوتهم وادراك الخطر الإيراني على بلدانهم ، بل وبدأ انهم منشغلون بأنفسهم وفسادهم وغيّهم وتخلفهم وقد وضعوا البيض كله في السلة الأمريكية ، وراهنوا على أن امريكا لن تسمح حتى بمشروع نووي سلمي ، بل ساهموا بالحرب على العراق وانهاك قوته وتفتيت صلابته حتى غدى لقمة سهلة تناولتها إيران ببركة دول الخليج ومؤامراتهم ، ولم تتوقف ايران عند العراق فراحت تتوسع باتجاه دمشق ودعم نظامها وامتد نفوذها الى لبنان والبحرين واليمن لاحقا .
العرب غاضبون من الاتفاقية الأمريكية الايرانية ليس بسبب المشروع النووي ، بل بسقوط الجدار المحيط بإيران والمتمثل بالحصار والعقوبات ، واعتقد العرب وبكل سذاجة أن امريكا ستكون عربية اكثر منهم ، وسنيّة اشد منهم .
تخطت ايران الحصاروالعقوبات والحرب الطويلة وحققت ما لم يحققه العرب وبترولهم وثرواتهم وعلاقاتهم مع العالم ، وأقنعت العالم برباطة جأشها وصبرها وسياساتها وما نفذته من مخططات توسع في العراق ونفوذ في سوريا ولبنان واليمن ووصلت الى البحر الأحمر والمضائق المهمة، وبدت بنظر الغرب أنها رقم صعب لايمكن تجاوزه ، وأن اي مشروع أمريكي غربي متعلق بمحاربة الارهاب او حماية المصالح الغربية وحتى أمن إسرائيل لن يمر او ينجح دون إيران ، وأن المراهنة على العرب لن تجدي في خدمة مشاريع الغرب في المنطقة .
من الطبيعي لأمريكا ان تتجه لإيران ، ومن الطبيعي ان تحترم امريكا قوة إيران وان تتعاطى معها " دبلوماسيا " بعد أن فشلت كل الخيارات او اسقطتها ايران نفسها ، ومن الطبيعي أن تحترم امريكا مصالح ايران في العراق وسوريا واليمن ولبنان التي لايمكن حل مشاكلها دون التدخل الإيراني ،فكان أن تبدلت التوجهات الأمريكية في سوريا والعراق .
ايران ورغم الحصار حافظت على نظام سياسي ديموقراطي ، فيما لا يمتلك اصدقاء امريكا من العرب تلك الميزه ، وانخفضت مؤشرات الفساد في ايران وارتفعت في غالبية الدول العربية ، وتعيش الأثنيات والقوميات التي تشكل اكثر من نصف سكان إيران من غير الفرس تعايشا دافئا بالرغم من انتفاضات " معتدلة " لم يجر استثمارها ودعمها للإنفصاليين في بلوشستان والاحواز العرب الى جانب وجود الأتراك (الأذر والتركمان) و العرب والأكراد ، الذين يشكلون ما نسبته 55-60 من سكان إيران وغالبيتهم بل جلّهم من السنّة ،فيما استثمرت إيران طوائف شيعية عربية لا تمثل نسبة عالية من سكان الدول استطاعوا وبفضل الدعم الإيراني التحول الى قوى حاضرة تحكم او تملك النفوذ كما في سوريا والعراق واليمن ولبنان ، كما وتحولت إيران رغم الحصار لقوة عسكرية وتملك بناءا عسكريا ومنظومة عسكرية هائلة ضخمة لم تفلح البلاد العربية قاطبة حتى في تحسين اسلحتها الخفيفة !
لماذا نقلق او نغضب لتغير السياسات الأمريكية تجاه العرب ، ولماذا يزعجنا الاتفاق مع ايران حول مشروعها النووي ، فالانظمة العربية تنافست فيما بينها وتصارعت وخذلت جماهيرها ، فلا مكنتهم اقتصاديا ولا عسكريا ، ولم تمنحهم ابسط حقوقهم السياسية والاجتماعية وبدأ الصراع والتنافس ينحصر بين اكبر صحن فول في مصر وأعظم مائدة " مندي " في السعودية .
الولايات المتحدة الأمريكية والغرب أدركوا أن ايران الأفضل والأقدر والممسكة بخطوط اللعبة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ،والعرب يرممون فقط ما اقدموا على تخريبه وهدمه في تلك الدول وتخبطوا وتنازعوا بل وكانوا عوامل هدم وتخريب وتقسيم وشرذمةحتى في صفوف المعارضة وتفتيتها.
إيران ستتجاوز أثار الحصار ، وستكون قوة اقتصادية وعسكرية هائلة بفعل ما تملكه من قدرات علمية وتكنولوجية ونفط وغاز وامكانات هائلة وضعتها كقوة ثالثة اقتصاديا في الشرق الأوسط ، ولا بد أنها ستستجيب مباشرة لمعادلات المجتمع الدولي ولقوانينه بغية الدخول بقوة وترحاب هذا المجتمع بعد غياب طال لأكثر من 30 عاما ، فيما لازالت الدول العربية تعاني ما تعانيه من دمار وخراب وانقسام وحروب ستشغلها لعقود .
لعل "عاصفة الحزم " التي تشكلت عربيا وبدأت اعمالها في اليمن هي مقدمة الاستعدادات العربية لمواجهة التوسع والنفوذ والهيمنة التي نجحت إيران في القيام بها في ظل حصار وعقوبات ، ولا تكفي العاصفة لمواجهة إيران ، بل يلزمها تعاون ووحدة وتجاوز كل الخلافات في مواجهة هذا " الوحش " الذي قاب قوسين أو أدنى أن يخرج من محبسه بإتجاه المنطقة ما لم نكن مستعدين لما تحمله تلك الانفلاته الإيرانية من سياسات وأيدلوجيات وأطماع قد تطيح بالحلم العربي وتحيل بلادنا الى أشلاء وفوضى وطوائف ومليشيات وصراعات تعيدنا الى الوراء 100 عام !!