25-04-2015 11:54 AM
بقلم : د. فيصل الغويين
يعد التعليم أحد أهم الآليات في تكوين وتنشئة الأفراد على الحياة، والقدرة على التفكير والإبداع والنقد، لكي يكّون ويعد مواطنا قادرا على إعمال العقل إلى أقصى درجاته في التعاطي مع الحياة والواقع المعاش.
فالطالب يقضي سنوات طويلة بين جدران المدرسة والجامعة ليتعلم كيف يعيش، وكيف يعمل، وكيف يفكر، وكيف يكون، ومن هنا فان النظام التعليمي هو الوحيد ذو الأثر الأكبر في عملية التكوين والإعداد، إلا أن الملاحظ على نظامنا التعليمي أنه فشل عل مستوى المؤشرات النوعية في تحقيق أهدافه، حتى وصلنا إلى قناعة رسمية وشعبية أن هذا النظام وصل إلى مرحلة الانهيار.
ونستطيع أن نرصد العديد من الأسباب التي تكشف عورة نظامنا التربوي، ومستوى الانحدار الذي وصل إليه، والتي يمكن إيجازها بما يلي:
1- غياب الإستراتيجية الوطنية الحاكمة لعملية التعليم، بعد أن أصبحت سياسات التعليم في الأردن متعلقة بالإدارة والرؤية الفردية لكل وزير جديد.
2- إخضاع التعليم لرؤية الحكومة، وليس لرؤية الدولة، فمن المفترض أن الحكومة متغيرة، بينما الدولة الأردنية ثابتة.
3- نظام (الجزر المعزولة)، الذي يتحكم في العملية التعليمية برمتها، فرغم التواصل الشكلي والظاهري، إلا أن أي مدقق سيكتشف أن الوزارة منفصلة عن المديريات- التي وصل عددها إلى 41 مديرية دون أي مبرر- والمديريات منفصلة عن المداس، والمدارس منفصلة عن الطلاب والمجتمع، وكل ذلك يرجع إلى أول أسباب هذا الانهيار، وهو غياب الإستراتيجية الحاكمة، والضعف المريع في القيادات على كل المستويات.
كما تقوم الإدارة التعليمية على نمط من الإدارة المركزية الفوقية التي ترسل قراراتها في شكل نصوص الى الأدنى ثم الأدنى، والانصياع لها، والتكيف معها، وهو توجه من شأنه محاصرة كل محاولة لمبادرة بفكرة جديدة أو رأي مغاير، فيصبح الكل كما لو كانوا "صورا" كربونية، تختلف فقط في حجم تكبيرها
4- اعتماد التعليم على سياسة الحفظ والتلقين، مما جعل التلميذ يتحول الى آلة تتعرض للملء والتفريغ دون أن يعطي نفسه فرصة لتذوق أو فهم ما يدرسه.
5- امتلاء المناهج بالكثير من الحشو والغث، والذي يضر ولا يفيد، ولا أدري الحكمة من وراء هذا الحشو الذي وّلد كراهية شديدة في نفوس التلاميذ تجاه كل شيء مكتوب. كما أن هذا الحشو الكارثي أنتج عقولا فارغة. كما أن هذه المناهج تتأسس على تدريس نواتج العلم ونظرياته، ولا تعتمد على تدريس تاريخ العلم، والتناقضات التي أدت إلى ظهور النظريات العلمية، كما أن تلك المعرفة منتقاة ومختارة بصورة بعيدة تماما عن مفهوم الاختلاف وقبول الآخر، فهي معارف تؤكد حقيقة واحدة ووحيدة صحيحة غير قابلة للنقد، ولقد كرس ذلك أسلوب مفهوم التسلط والإجبار في قبول المعارف، وليس مفهوم المخالفة، وحرية الاختلاف والتباين، وكل ذلك أدى الى غياب الأبعاد الثقافية في التعليم، لذلك لم يعد هناك قادة أو مفكرون أو مبدعون تنتجهم مدارسنا، وأصبح هؤلاء المبدعون أو القادة يتعلمون مهاراتهم من خارج جدران المدرسة، وبعيدا عن تسلط النظام التعليمي الأحادي التفكير والتوجه.
6- وجود نوعيات مختلفة من التعليم؛ فلدينا التعليم العام، والتعليم الخاص، والتعليم الدولي، ومثل هذه الاختلافات لن تؤدي في النهاية الى وجود خريج يمكن الاعتماد عليه، خاصة في ظل انهيار التعليم العام، وسهولة النجاح في التعليم الخاص، لنحصل في النهاية على مجرد أوراق تسمى (شهادات) لا تعني أي شيء، وبلا أي قيمة.
7- المستعمرات التعليمية والتي نطلق عليها المدارس الدولية، وهي كثيرة، منها الأمريكي والبريطاني، ومثل هذه المدارس لا تملك وزارة التربية والتعليم أية ولاية عليها، وتتعامل مع اللغة العربية على أنها اللغة الثانية أو حتى العاشرة، والأخطر أنها تخضع طلابها للمنظومة الثقافية والسلوكية للدولة التابعة لها هذه المدرسة، مما يؤدي في النهاية الى تخريج مجموعات من الطلبة، إما أنهم يشعرون بالاغتراب في مجتمعاتهم، وإما أنهم يتحولون الى (طابور خامس) حيث يكون ولاؤهم لتلك الثقافة التي تشبعوا بها، وفي الحالتين فان الأمر شديد الخطورة على الأمن الوطني والأمن الثقافي.
8- الدروس الخصوصية، ذلك الداء الذي استشرى في جسد التعليم، حتى أصبح تعليماً موازياً، فتكاثرت المراكز المسماه (ثقافية) وازدحمت المكتبات بالدوسيهات لجميع الصفوف والمباحث، وهي دوسيهات مجازة من دارة المكتبة الوطنية، أي يترتب لأصحابها حقوق ملكية فكرية، مما أدى الى تشتيت واستنزاف عقوا التلاميذ، وأموال اولياء الأمور.
إن الدروس الخصوصية عرض لمرض، وليست المرض ذاته، والمرض الأساسي هو تدهور التعليم، وهناك العديد من الأسباب التي أدت الى تفشي هذه الظاهرة، أهمها:
• انهيار العملية التعليمية داخل المدارس.
• رغبة أولياء الأمور في حصول ابناهم على ذلك (التفوق الكاذب) للالتحاق بما يسمى كليات القمة.
• تعامل بعض المدرسين والمشرفين وأصحاب القرار مع رسالة التعليم على أنها (تجارة) تارة بحجة قلة الرواتب، وتارة بحجة عدم قدرة المدرس على توصيل علمه داخل المدرسة.
9- من الرفاهية أن نتكلم عن تطوير الوسائط التعليمية، وعن مختبرات اللغات والحاسوب في ظل وجود مدارس متهالكة، الكثير منها إما مستأجر، أو يعمل بنظام الفترتين، أو قديمة تحتاج إلى إعادة تأهيل، بالإضافة الى الاكتظاظ في الصفوف الذي يحول دون أي عملية تعلم حقيقي وفعال، ومثل هذا الوضع المهين للإنسانية يجعل من السخرية أن نتحدث عن التعليم في مثل هذه (الخرابات) التي تسمى مجازاً مدارس.
وبعيداً عن كل هذه الأسباب، فإننا ندرك أن ما وصلنا إليه كان سببه الأساسي انتهاج سياسات خاطئة عبر أكثر من عقدين، رافقها الكثير من العبث وسوء الإدارة والفساد، وإذا كنا لا نحمّل الوزير الحالي الدكتور محمد الذنيبات كل تبعات هذا الانهيار، وسيئات وسوءات من سبقوه، فإننا بكل تأكيد سنحمله مسؤولية إصلاح ما أفسده سابقوه، لأنه منذ اليوم الأول الذي جلس فيه على مقعد الوزارة أصبح مسؤولا عن إصلاح التعليم، ورفع هذا الشعار فعلا.
وفي المقابل فعلى كل الأردنيين وخاصة النخبة منهم أن يكونوا في أقصى درجات الوعي والانتباه، لوقف هذه الانهيار، والعمل بكل الوسائل والطرق على نهوض التعليم بكل مفرداته، وذلك لن يتم إلا إذا أصبح التعليم المشروع الوطني الأولى بالرعاية، وهذا أمر اكبر من قدرات أي وزير مهما كانت ملكاته وقدراته، لأنه يحتاج الى قرار سياسي شديد الوعي، ومناخ عام شديد الاستنارة يتعاملان مع التعليم على انه مشروع أمن وطني بالدرجة الأولى.
• مشرف تربوي/ تربية لواء ماركا/ عضو رابطة الكتاب الاردنيين.