27-04-2015 01:48 PM
بقلم : محمـود الشـــيبي
ما أشـبه اليوم بالبارحـة. في معركة ذيقار التي جرت بين العرب والفرس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هذا يوم انتـصفـت فيه العـرب من العجـم، وبي نُـصروا". ومن العرب في ذيقار من وقف مع الفرس ضـدّ بني جلدتهم، فخانوا عروبتهم، وباعوا وطنهم.
وفي عاصفة الحـزم السعودية، من العرب من وقف إلى جانب الفرس ضد بني جلدتهم، فخانوا عروبتهم وباعوا دينهم. في تلك الفترة التاريخية كان عرب العراق يدينون بالطاعة والولاء للفرس، الذين امتد نفوذهم لليمن، وكان عرب الشام يخشون الفرس، ويدينون بالولاء للروم. وتبدل الزمان، لكن الأطماع الفارسية في الوطن العربي ظلّت قائمة.
وفي هذه الأيام يريدون أن يعيدوا الكـرة، أو يعيدوا عجلة التاريخ إلى الوراء، منتهزين ضعف العرب، وتمزقهم، ليبنوا امبراطورية فارس من جديد. في ذيقار أبت بنو شيبان أنْ ترضخ لمشيئة الفرس، بعدما استجار النعمان بن المنذر ملك الحيرة، بهانيء بن مسعود الشيباني، من غضب كسرى، فاستودعه أهله وماله وسلاحه، وعاد إلى كسرى ظناً منه أنه سيعفو عنه بعد أنْ قـدّم اليه الطاعة والهدايا ، لكن كسرى أرسله مقيداً إلى خانقين حتى وقع الطاعون فمات فيه. وأرسل كسرى إلى هانيء بن مسعود الشيباني منْ يأتيه بنساء النعمان وسلاحه وعتاده، فأبى هانيء الشيباني أن يسلمه وديعة النعمان دفـعاً للمـذمـة. فقُـرعت طبول الحرب، واصطف بنو بكر وقبائل عربية أخرى أبيّـة إلى جانب بني شيبان، وقام هانيء بن مسعود الشيباني خطيباً وقال:" إنّ الحذر لا يدفع القـدر، وإنّ الصبر من أسباب الظفـر، المنيّـة ولا الـدنيّـة، واستقبال الموت خير من استدباره، والطعن في الثغـر خير وأكـرم من الطعن في الـدبـر، يا قوم جـدّوا فما من الموت بـدّ ". ووقعت معركة حامية الوطيس. وفي أيام معدودات ضرب الله وجوه الفرس فانهزموا.
وكانت ذي قار يوماً من أيام العرب، انتصر فيها العرب على الفرس. واليوم وبعد أنْ تخطّى الفرس حدود بلادهم ، واحتلوا العراق وسوريا ولبنان، وامتد بهم الغرور لأن تكون صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي تسقط بيدهم، وبعد قنوط واستسلام عربي، رأى النابهون الأباة من العرب أن المشرق العربي سيتشظّى تحت جنازير دبابات الفرس، إنْ استمر الأمر على هذه الحال، فانبرى الفارس العربي سلمان بن عبدالعزيز، ومن وقف معه من كرام العرب، وتصدوا للعاصفة الفارسية الصفراء، بعاصفة الحـزم العربية، التي تـدك حصون عملاء الفرس دكاً دكّـا، وتمطرهم بقنابل الموت التي تحصدهم حصداً، وتفاجأ الفرس بالموقف العربي الحازم، وبالإرادة التي لا تتقهقـر، ولا تلين. في هذه المعركة بإذن الله سينتصف العرب من العجم مـرةً ثانية، بعد أن أعادت عاصفة الحزم للأمة العربية روحها، وأعادت للعرب النخوة والمروؤة، والرغبة في الشهادة من أجل الدفاع عن الأمة العربية، من الذين تنبض قلوبهم بالعروبة، ويتدفق في شرايينهم الدم العربي الطهور.
لقد نهض العرب في عاصفة العروبة والإباء، لصـد الريح السامة التي انبعثت من قـم ولاية الفقيه، لتنشر الشر والخراب في ديار العرب الطاهرة، ثأراً للقادسية التي قضت على امبراطورية الفرس. وهـنا أذكِّـر الفرس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ قال :" منْ أحبّ العرب فبحبي أحبهم، ومـنْ أبغـض العـرب فببغضي أبغضـهم ". وكراهية الفرس للعرب تاريخية، ومستمرة عبر العصور، لذا فقد قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" اللهم اجعل بيننا وبين الفرس جبلاً من نار". نقول هذا لعملاء الفرس من العرب علّهم يعودون إلى رشدهم، وما هـم بعائدين. ونقول لسلمان بن عبدالعزيز قائد حملة عاصفة الحزم: سلمْتَ أيها الصقـر العربي، وسـلم الدم العربي الذي يتدفق في شرايينـك، وسلمتْ الرجال الذين ينقضون بقنابل الموت على حصون العملاء أتباع فارس. على أنه لا بـدّ من رأس الأفعى، لتطهير المشرق العربي من سموم فارس، ورأس الأفعى في سوريا، وإذا قُطعت رأس الأفعى ، فسيندحر الفرس في سوريا ولبنان، وسيتراجعون تدريجياً من العراق، عندئذٍ تنتهي عاصفة الحزم بتحقيق الهدف المباشر لها، ألا وهو القضاء على النفوذ الفارسي نهائياً في المشرق العربي.
على أنّ العرب يتطلعون إلى أنْ تمضي العاصفة في طريقها، لتحقيق أحلام الأمة في الإتحاد، وبناء اقتصاد عربي قوي، وحتى نُـفوّت على الغرب مؤامراته لا بد من بناء جيش عربي قوي يتصدى للأعداء، ولكل طامع في مصير هذه الأمة . هـذا وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو قـد قسّمت بلاد الشام والعراق بين بريطانيا وفرنسا العام 1916، بالصورة القائمة، فإن المشروع الغربي القائم الآن هو تقسيم المقسّم في الوطن العربي، الذي وضعه برنارد لويس اليهودي البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية، وقـد تبنى الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي حكم الولايات المتحدة في الفترة من 1977 – 1981، هذا المشروع، الذي وُضِع ليكون متِّسقاً مع المصالح الصهيونية الأمريكية. في العام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع الدكتور برنارد لويس، وبذلك تم تقنيـن هذا المشروع، واعتماده، وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة. ويقوم المشروع على تفكيك الوحدة الدستورية لجميع الدول العربية والإسلامية إلى دويلات عرقية ودينية ومذهبية وطائفية،وأوضح ذلك بالخرائط.
وكان مبرر برنارد لويس لهذا المشروع التفكيكي هو " إنّ العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضيرهم، وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تُـدمر الحضارات، وتُـقوض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينيـة وتطبيقاتها الإجتماعية، .. ولا مانع أن تكون مهمتنا المعلنة تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديموقراطية .. وبهذا نكون قد وفـرنا كل مقومات الحياة لقيام دولة اسرائيل الكبرى ". إن وسيلة برنارد لويس لهذا المشروع تفجير الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية، والدفع بشعوب المنطقة للإقتال الداخلي الذي سيفضي إلى إنشاء أكثر من ثلاثين كياناً سياسياً عربياً، وتحويل العالم الإسلامي إلى ثمـان وثمانين دولة بدلاً من العدد الحالي القائم على ست وخمسين دولة.
إنّ ما روجت له الولايات المتحدة من قبل بما سمته الفوضى الخلاقة، والشرق الأوسط الكبير، هي خطوات على هذا الطريق. إنّ ما يلزمنا اليوم هو صحوة عربية ، وأن ينخرط الجميع في عمل عربي واحد، يحفظ كيان الأمة ومستقبل الأجيال القادمة، ويفوت على الغرب مؤامراته القائمة أصلاً على مصلحة اسرائيل. إنّ ما يجري في الوطن العربي الآن يؤكد باننا وفرنا الشروط الملائمة والمناسبة للمخططات الأجنبية. إنّ الظلم والفساد والإستبداد، وغياب العدالة، والإصلاح السياسي، يشكل مرتعاً مريحاً لمخططات برنارد لويس، الذي كان مستشاراً لإدارتي بوش الأب والإبن، وقد شارك في وضع استراتيجية الغزو الأمريكي للعراق. من جهة أخرى يذهب بعض المحللون إلى أن ما يُـعرف بتنظيم داعش، وما شابهه من التنظيمات الدموية التكفيرية، ما هي إلا صناعة أمريكية صهيونية، لنشر الخراب والدمار والقتل في الوطن العربي، وبهذه التنظيمات سينطلق مشروع التفتيت الخبيث الذي سيحرق المنطقة، ويحفظ أمن اسرائيل. في أواخر العام 2014 سلّمت أربع فرق من الجيش العراقي أسلحتها المتطورة لتنظيم داعش، وانسحبت دون قتال، ولم تعترض الولايات المتحدة، ولم تقـلْ أن أسلحتها وقعت بيد العدو، أو باليد الخطأ، في حين أنها حرمت الجيش الحر السوري من الأسلحة النوعية، بحجة خوفها من أن تقع باليد الخطأ. ثم أن أهل الأنبار يشْكون من عدم تنسيق طيران التحالف الأمريكي مع قوات العراق البرية، ما جعل الحرب تطول، والقتل بأهل الأنبار وغرب العراق يزداد، وتعيش هذه الفئة من العراقيين، التي نُكبت بنار داعش تحت وطأة التهجير، والتجويع، والذل، وكأن داعش امبراطورية عسكرية ضخمة. إنّ التمدد الإيراني في الوطن العربي، هو أيضاً جزء من المخطط الغربي الخبيث، القائم على تفجير الصراعات القومية والمذهبية والطائفية في الوطن العربي، وبخاصة في المشرق العربي، حيث تسترخي اسرائيل على طرفه الغربي مطمئنة قوية. عندما احتلت الولايات المتحدة العراق سمحت لإيران بدخول العراق، وتركت لها الباب مشرعاً لتعبث بكل مفاصل الدولة العراقية، كما تركت لها الباب مفتوحاً في سوريا، بعد ثورة الشعب السوري على نظام القمع والطغيان لتعبث، وتُـدمـر وتقتل ، وتنتهـك حرمات شعبنا العربي العظيم. أما في لبنان، فحزب الله يعبث كما يشاء في سوريا ولبنان بتوجيهات الولي الفقيه .
إنّ بناء جيش عربي قوي، وبناء اقتصاد عربي واحـد قوي بين دول التحالف العربي، لا تشوبه شائبة الفساد، كفيلان بإجهاض المؤامرة الغربية التي نسج خيوطها برنارد لويس اليهودي الأمريكي، هذا إذا حسُـنتْ النوايا، وأدرك القادة خطورة ما يجري، وتحمل الشعب العربي مسؤولياته الوطنية والقومية. أمـا إذا ظـلّ الأمر على ما هو عليه الآن، فإنّ الطوفان قادم. عندئـذ سيقول كل واحـدٍ منا أُنْـجُ سـعْد فقـد هلَـكَ سُـعَيـد.