11-05-2015 10:03 AM
بقلم : الدكتور سليمان الرطروط
تكثر وتتزايد هذه الأيام الأخبار الواردة عن غرق العديد من المراكب والسفن التي تحمل المهاجرين من مناطق العالم العربي بشكل عام، ومن أواسط إفريقيا أيضاً قبالة السواحل الأوروبية، والمشاهد للصور والأفلام لغرق المهاجرين يصاب بالحزن والأسى ؛ وربما أشدها قسوة ما تم نشره لغرق أم سورية شابة مع رضيعها.
وعلى ما يبدو أن عمليات تهريب المهاجرين إلى الدول الأوروبية تدر أرباحاً كبيرة على المخططين والمنفذين لتلك المهمة، ولكن دون التفات منهم لصلاحية المراكب، أو لتوفير الاحتياطات اللازمة لسلامة المهاجرين عند مواجهة المخاطر الطبيعية، فالمهرب معني بالربح المادي، دون النظر إلى سلامة الركاب .
وأما المهاجر فلا يقدّر حجم المخاطرة الحقيقي ، ولا يدور بخلده سوى قصص النجاح والوصول لبلاد المهجر واللجوء، وتتراءى له الأحلام الوردية التي تداعب مخيلته، حيث سيعيش في آمان واطمئنان، وكيف أنه سيستطيع إعالة نفسه وعائلته، بل سيتولى رعاية أسرته الكبيرة في موطنه؛ وبناء عليه فكل ما يتمناه المهاجر والمجازف بحياته في ظل مخاطر البحر والبر؛ الأمن والرزق فقط.
وفي ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها المهاجر وحاجته المادية؛ فإنه يضطر لبيع كل ما يملك في سبيل دفع تكاليف رحلة التهريب لبلد المهجر، بل قد يتعدى إمكانات المهاجر إلى مساعدة واستدانة عائلته الكبيرة في سبيل تحقيق حلم الهجرة؛ فإذا قُدر وغرق فإن الخسارة ستكون كبيرة جداً، وفي لحظات يتلاشى كل شيء.
إن أغلب الدول المصدرة للمهاجرين هي من الدول التي وقعت تحت سيطرة الدول الأوروبية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وقد تلاشى نفوذها الاسمي منذ منتصف القرن الماضي ، ثم بدأ عهد وعصر الاستقلال للدول المنتدبة، وبدلاً من أن يكون الاستقلال نعمة لشعوبها أصبح نقمة عليها؛ فتدهور الاقتصاد، وزادت مديونية تلك الدول بشكل عام، وأصبح النظام السياسي والأمني لا يختلف كثيراً عن عهد الاستعمار، وتدنى المستوى التعليمي والثقافي؛ ويمكن أن تميز وبشكل واضح خريجي المدارس في عهد الانتداب والاستعمار وخريجي عهد الاستقلال. بل إن الموظفين العموميين والمؤسسات العامة غالباً ما كانت في ظل الاستعمار تمتاز بالدقة والكفاءة والبعد عن الرشوة والمحسوبية.
إن الدول الأوروبية المستهدفة بالهجرة إن أرادت وضع حلول دائمة لمشكلة الهجرة غير الشرعية لأراضيها يجب عليها العمل على إيجاد نهضة اقتصادية في دول حوض البحر المتوسط وكذلك في دول وسط إفريقيا، وأن توجد اكتفاء ذاتياً مقبولاً لتلك الدول، لأن المساعدات والمعونات الأوروبية المؤقتة، ستكون علاجاً موضعياً، ولفترة محدودة، وسيستولي على معظمها الفاسدين في ظل الأوضاع البائسة.
ولكن المأمول من الدول الأوروبية العمل وبإخلاص للتنمية الاقتصادية الشاملة لتلك الدول، وما مشروع مارشال ببعيد، وعندئذ سينتج عنها بقاء المواطنين في بلدانهم؛ لأن الإنسان بطبعه لا يحب الهجرة وترك أهله وموطنه وأبناء جلدته، حيث يتشارك معهم اللغة والدين والعرق والتاريخ والمشاعر والآمال، وعندما يجد المواطن الاكتفاء الاقتصادي لن يقدم على الهجرة؛ بل لن يفكر بها أصلاً.
ومن مسؤوليات الدول الأوروبية أيضاً لتقليص الهجرة إليها العمل والدعم للتحول السياسي في الدول المصدرة للمهاجرين؛ فنشر قيم الديمقراطية الصحيحة ، ومفاهيم تداول السلطة ، واحترام الإنسان وكرامته، وعدم تقديس الأفراد مهما علا شأنهم ، والعمل على إشاعة أجواء ومفاهيم السلم بين الدول، والابتعاد عن الحروب الخارجية، وحل المشكلات بالطرق القانونية المعتمدة في القانون الدولي كل ذلك وغيره يؤدي إلى تجفيف منابع الهجرة للدول الأوروبية.
وإن سعي الدول الأوروبية الجاد وبما لها من علاقات مع الدول المصدرة للمهاجرين على الاستقرار الأمني الداخلي والخارجي لتلك الدول سيكون له الأثر الكبير في تجفيف منابع الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية، فالدول المصدرة للهجرة غير الشرعية هي الدول التي يسودها عدم الاستقرار الداخلي، واضطراب الأمن ، والحروب الداخلية ، والصراعات الطائفية والمذهبية، والذي سيجعل من عجلة التنمية الاقتصادية تتعطل. إن الاستقرار الداخلي للشعوب هو أكبر عامل للحد من الهجرة للدول الأوروبية، وحيثما حل انعدام الأمن الداخلي والاضطراب نتج عنه الهجرة الداخلية والخارجية.
والدول الأوربية تدرك تماماً المخاطر الكبيرة والعديدة من الهجرة غير الشرعية إليها، ولذا عليها معالجة أسباب ودواعي تلك الهجرة إن أرادت بقاء مجتمعاتها متماسكة، وإن أي دولة _ ومهما عظمت قوتها_ لن تستطيع حماية حدودها ، أو منع الدخول غير الشرعي إليها بنسبة 100% ، وعليها أن تدرك أنك لن تكون بخير إن كان جارك خائفاً وجائعاً.
Sulaiman59@hotmail.com