11-05-2015 10:06 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
في احد أيام فصل الربيع, في مدرستي القديمة (سحاب), طلب مني معلم الرياضة أن احمل محرمتي المصنوعة من القماش, طبعا لم تكن محارم الورق الحالية موجودة وقتها, .. واسمحوا لي هنا أن أعطيكم لمحة عن محرمتي, محرمتي كانت نظيفة, مربعة الشكل, مدروزة من حوافها الأربع, مرسوم عليها ثلاث فراشات تمسح بأجنحتها الخفيفة أثناء رحلتها ندى الصباح من على خدود وجبين أزهار وورود الحقول الممتدة على مساحاتها, كانت والدتي رحمها الله تغسلها يوما بعد يوم, تغسلها بيدها الطاهرة بكل لطف خوف منها أن تؤذي الفراشات الثلاث المرسومة عليها, أو أن تقتلع تلك الأزهار والورود المزروعة فيها.
طلب مني المعلم أن أدور حول الطلاب الجالسين بشكل دائري في منتصف ملعب المدرسة, وان أقول بصوت مرتفع: طاق طاق طاقية شباكين بعلية.., درتُ ثلاث مرات, وفي الدورة الثالثة وضعتها خلف احد الزملاء ثم جلست, كان المطلوب أن يكتشفها هذا الزميل ويحملها ويدور حولنا, وهكذا كنا نتبادل الأدوار, كل واحد يخرج يجلس مكانة آخر.
كان الأصل أن احمل طاقية بدلا من المحرمة, لان أصل اللعبة حمل طاقية, حيث أن أنشودة اللعبة الشعبية تؤكد ذلك: طاق طاق طاقية, شباكين بعلية, ....الخ, أنا بكل صراحة مع أن تلعب هذه اللعبة الشعبية بمحرمة بدلا من الطاقية, لأسباب منها أن المحرمة لا يمكن أن تعار للآخرين, في حين أن الطاقية يمكن أن تعار للآخرين, وإلا كيف جاءت مقولة: تلبيس طواقي, ..على فكرة قمت بالبحث مطولا حول هذه المقولة, حيث إنني وجدت أن أصل مقولة تلبيس طواقي, تعود لأحدى الأمهات الذكية.
تقول الحكاية يا سادة يا كرام: في احد الأيام قامت إحدى الأمهات الذكية بأخذ طاقية من احد أولادها (ليس على قياس رأسه) لتعطيها لأخ آخر من أولادها(على قياس رأسه), الأم هنا حاولت الإيحاء لصاحب الرأس أن وضعه قد تغير بدلالة الطاقية الجديدة فوق رأسه, ثم قامت بخلع الطاقية عن الرأس الذي تقبع فوقه بغية تلبيسها لرأس أخ آخر سوف يوحى إليه بدوره, أن وضعه قد تغير بدلالة الطاقية الجديدة,... وهكذا, أي أنها حلت مشكلة بخلق مشكلة أكبر بين الأولاد, انزعج زوجها منها حتى همست بأذنه قائلة: تلبيس طواقي, يعني المشكلة ما زالت قائمة إن لم تزدد سوءاً, نحن نبرر عمل الأم هذا وهي سياسة ناجحة إلى حد ما, ..حكاية طاق طاق طاقية أصبحت واضحة لي,..لكن بصراحة لم افهم مضمون حكاية (شباكين بعلية).
أخشى ما أخشاه أن يكون وراء حكاية الــ(شباكين بعلية) هي الملابس الساحلة والمقطوعة وهي عبارة عن فتحات في مواضع معينة من الملابس تسلط الضوء على مفاتن القوام، وأن هذه الفتحات تكشف الساق أو البطن أو الصدر أو الأكتاف أو الظهر, فعلى مدار السنوات العشرة الأخيرة، انتشرت موضة الملابس الساحلة والممزقة بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم بعد أن تطرق لها أولا نجوم الفن والغناء الذين استعانوا ببناطيل ممزقة باحترافية كما ولو أن من يرتديها خرج لتوه من مشاجرة مميتة، وبعد فترة من الغياب، عادت تلك الموضة للحياة مرة أخرى ولكن بشكل مغاير تماما لما اعتاد عليه المستهلكون.
الطريف هنا, انه تم تشكيل بناطيل جينز، تم تمزيقها وخربشتها اعتمادا على حوافر الأسود والدببة الموجودة داخل الأقفاص, وفي نفس الأقفاص تم صنع كرات من القماش وتوزيعها داخل الأقفاص على الأسود والدببة بهدف تمزيقها بحوافرها، ثم تم جمع تلك الكرات القماشية مرة أخرى والاستعانة بها في تصميم بناطيل جينز شبابية ساحلة وممزقة طبيعيا اعتمادا على الحيوانات المفترسة, ..أنا بكل صراحة كانت ملابسي عندما لعبت لعبة طاق طاق طاقية, شباكين بعلية كانت ملابسي من النوع الساحل والمقطوع, طبعا من الفقر وليس من فعل الحيوانات المفترسة, على العكس تماما من لبسها هذه الأيام, هذه الأيام غناء وترف وحوافر الحيوانات المفترسة ,..بقي أن أقول الله يستر من تالي الــ(شباكين بعلية).