11-05-2015 01:05 PM
بقلم : المهندس وصفي عبيدات
مسكين هو النائب الاردني ، فما ان يصل تحت قبة البرلمان حتى يواجه واقع صعب ، يدخل القبة بكامل نشوته وعزيمته ، براسه الكثير من الطموح والكثير من الأهداف والغايات ، يدخل مكتبه ببدلته الزرقاء ويجلس على كرسيه لا تسعه الدنيا من فرحته ، فها هو يجلس في المكان الذي خاض معركة ضروس من اجل الوصول اليه ، يطير بجناحي السعادة ارجاء المكتب والمجلس ، وعندما يدخل تحت القبة يدور حول نفسه مرات ومرات وقد يطلب من احد زملائه ان يقرصه حتى يتأكد انه في علم لا حلم .
نعم هذا هو واقع الحال ، وعلى الأقل هذا ما أتخيّله ، لأنني لم امر في هذه اللحظات ولم أحظى بشرف الجلوس تحت قبة التشريع والرقابة .
تمر ايام السعادة عند صاحب السعادة سريعة كأنها البرق ، فيصحو من احلامه التي تبدأ تتحطم على صخرة وعوده لمن أوصلوه لهذا المكان ، فيبدأ يُخرج من جيوبه قصائص الاوراق : محمد بده وظيفه ، احمد بده نقل ، علي بده مقعد في الجامعة ، حمدان بده يجَّوز ، وغيرها الكثير الكثير من الطلبات ....... ، نعم يمسك القصائص بحسرة وهو يتمنى لو لم يفق من احلامه السعيدة ، يتلمس صدره الذي طالما ناله من كدمات الوعود ، يتلمس حنجرته التي بُحَّت تُوعِد وتتوعّدْ .
في خضّم هذه الامواج المتلاطمة من الأفكار المتشتته تأتيه نشوة الاعتزاز بالنفس ، فتحدثه بانه قادر على تنفيذ كل شئ ، وفي هذه الأثناء يقاطعه هاتف صوتُه مُرعب ، يقول له يا هذا ! انت هنا ليس لتحقيق الوعود انت هنا للتشريع ورقابة عمل المُنفّذين ، انت هنا لتشريع القوانين والأنظمة التي تُنظّم حياة الكثيرين الذين انتخبوك والذين لم ينتخبوك ولم يعرفوك ، لكنَّك أقسمت على صون حقوقهم .
فيبدأ الصراع وتبدأ الايام شمسُها تغيب ، وتبدأ رحلة العذاب لانه سيجد نفس بين فكي كماشة ، ناخب يطلب بإلحاح وحكومة تعطي بابتزاز ، ناخب يطلب بابتذال وحكومة تَهبْ باستعلاء ، فمقابل تعينِ ناطور توقيعٌ على قانون ، ومقابل الإفراج عن محبوس تمرير لصفقة لصوص ، مسكين هو ، يساعد مسكين فتوضع على رقبته سكين ، يحصل لطالب على قبول فيغض الطرف عن يد تسطو على المال العام وتطول ، يفتح رئيس الحكومة مكاتب في وزاراته خاصة بالنوب لا احتراما وانما ابتزازا ، كل نائب يزور يُجبّر على التختّيم قبل المرور .
حالك يثير الشفقة ايها النائب المسكين ، فانت بين مطرقة ناخب لا يرحم وسنديان حكومة تحكم بقسوة . فمن كُثر النَق من ناخبيك والابتزاز من حكومتك تتوه وتتشعب بك الطرق ، لانك حتما ستصل الى مفترق صعب ، فلا انت تستطيع تلبية ناخبيك ، فتقضي على مستقبلك النيابي ، ولا انت تستطيع التشريع ولا مراقبة التنفيذ فتُضيّع وطن ، لا انت أعطيت ولا انت حاسبت ولا راقبت .
إن واقعنا مع النيابة مرير ، فالنائب ساعةَ يقبل على نفسه ان يكون خدماتيا محصورا بفئة انتخبته ، يوقع نفسه في كثير من السقطات واكبر هذه السقطات إرغامه على غض الطرف عن حيتان التنفيذ . انت عندما قبلت ان تكون فردياً أضعتَ الكثير الكثير ، وعلى قمة ما أضعت ، أضعتَ وطن ، وَيَا لها من جريمة نكراء ان تضيّع الوطن ، أنْ تبيع نفسك لوزير او مدير لمكسب لا يتعدى مصلحة شخص ، فقد قتلت وطن .ُ
إننا عندما ننتخبك فانما ينتخبك الوطن ، ام نسيت انَّ الوطن انا وانت وكل من سكن الوطن ؟ لو كان همّك الوطن لأبدعت في خدمة الوطن ، وعندما تخدم الوطن فانت تخدم كل فرد في الوطن ، لو جعلت همَّك الوطن لكنت انت موضع اهتمام الوطن ، ومن كان موضع اهتمام الوطن كان موضع اهتمام كل مواطن في هذا الوطن ، اي انك تنال حبَّ كلّ ابناء الوطن .
نعم سيدي النائب ! لو راقبتَ وحاسبتَ لعمَّ العدلُ ، والعدلُ ان يأخذ كل من يسكن الوطن حقه دون ان يجور على حقوق باقي ابناء الوطن ، وعندها فأنت تكون في حل من استحقاق فردٍ دون باقي افراد الوطن ، فالكل وقتها سيرضى بحقه فلا احد قد هضم حقه دون سبب
نعم سيدي النائب ! الوطن أهم من كل فرد في هذا الوطن