18-05-2015 12:21 PM
بقلم : محمد اكرم خصاونه
كان للفلاح (سلطان) حمار نشيط ، وكان يحمل عليه من الأثقال ما تنؤ منه الجبال، فكبر الحمار وشاخ وصارت الأحمال تسقط عن ظهره بين فترة وأخرى.
كان سلطان رجل قاسٍ ليس في قلبه رحمة ولا شفقة ، وتناسى الأيام الخوالي التي كان بها الحمار مثالا في الإخلاص والعمل الدؤوب،وبدل أن يكافئه على عمله الطويل ، صار يضرب الحمار ضربا مبرحا لكسله في العمل متناسياً شيخوختهُ، وخدماتِهِ الجليلة الكثيرة في ماضي الزمن !!
عطش الحمارفذهب للشرب من سطل الماء فبدا ينظر إلى وجهه في سطل الماء، ويقول:
"أسفاً على شبابي وطفولتي! في الشباب كنتُ بطلَ الحمير في القوة والعمل، وفي الطفولة كنتُ ألعب مع أمي على البيدر، فيركض وراءنا الأولاد، ويغنون:
حمارنا صغير، وذيله قصيرْ، لكنه رشيقْ يكاد أن يطيرْ".
يشرب الحمار قليلاً من الماء، ثم يعود إلى التفكير:
"لكنني لا يجوز أن أستسلم للشيخوخة والمرض".
لم يكن الحمار رغم عمره الطويل قد تخلَّصَ من الخجل، أو اعتاد الاعتماد على نفسه في المسائل المتعلقة بحقوقه، لذلك سار إلى الديك الذي يعيش معه في مزرعة الفلاح سلطان، إضافةً إلى الخروف والبقرة ،،قال الحمار:
أنت فصيح يا ديك، وصوتك جميل، اذهب إلى صاحبي سلطان، وقل لـه: أن يخفف عني ساعات العمل، ويُحسِّنَ العلفَ، فلعل صحتي تتحسن، وأَخْبِرْهُ أنني أتألم أكثرَ منه لسقوط الأحمال من فوقي ظهري.
أجاب الديك المغرور:
أنا لستُ خادماً عند الحمير!!! ثم ألا تتذكر أنك منذ مدة، كدتَ تدوسني بقوائمك؟!
سامحك الله يا ديك. ألم تنتبه إلى أن الغلط يومئذ كان من سلطان الذي وضع على ظهري حملاً ثقيلاً، وراح يضربني بالعصا لأسرع، فما عدتُ أرى طريقي؟!
ثم أسبل الحمارُ جفنيه حزيناً، وتابع:
كيف تشكُّ في محبتي أيها الديك الجميل؟ وأنا كم سمحتُ لك أن تقف على ظهري، وفوق رأسي، وكأنك تاج لي!
انتهز الديك إسبالَ مُحدِّثه لجفنيه، فتسلل مبتعداً، ولما فتح الحمار عينيه، ولم يجده، تأوَّه، ومضى إلى الخروف عارضاً عليه ما عرضه على الديك.
كان الخروف صغيراً طائشاً، لكنه فَهِمَ عكسَ ما طلبه منه الحمار، فقال له:
تريدني أن أذهب إلى سلطان، وأطلب منه أن يزيد لك الأحمال، ويقلل العلف؟
لو لم يكن الحمار صابراً لوبَّخَ الخروف، لكنه اكتفى بنظرة لوم، ومضى إلى البقرة.
استقبلته هذه أحسنَ استقبال، حتى أنَّ حنانها ذكَّره بأمه، وقد سألتْهُ:
ماذا يؤلمك أيها الحمار العزيز؟
شرح لها الحمار أن ركبتيه تؤلمانه، فأخذتْ تمرُّ برأسها فوقهما لتدليكهما، لكنها اعتذرتْ عن نقل كلامه إلى الفلاح، لأنَّ صوتها لـه خَنَّةٌ في الحالة الطبيعية، فكيف وهي الآن مصابة بالرشح!
لم يبق أمام الحمار إلا أن يعتمد على نفسه. سار إلى السلطان الذي كان في آخر المزرعة، وما إنْ اقترب منه، وحرَّك فمه حتى أدركَ سلطان من عينيه ما يريده، فوثب صائحاً:
ألم يكفك رميُ الأحمال، فجئتَ لتعضني! أنا سأؤدبك أيها الحمار المتوحش!
في اليوم الثاني سحب الفلاح حماره إلى السوق وباعه، وعند البيع قرأ في عينَيْ الحمار هذه العبارة:
أنت أيضاً ستشيخ يا سلطان.
ولكنه لم يهتم بها.
بعد مدة مرض سلطان، وكان قد تجاوز السبعين من عمره، وصار وحيداً في المزرعة، لأن زوجته تركته لسوء أخلاقه، أما حيواناته الأخرى فباعها، ولما اشتد عليه المرض، راح يصيح:
-أَيْ.. أَيْ.. أنا عجوز.. أنا مريض. تعالوا ساعدوني. لكنَّ أحداً لم يسمعه سوى جدران بيته!!.
تم نقل هذه القصة مع بعض التصرف.