18-05-2015 01:34 PM
تعاودنا ذكرى النكبة كل عام ونعاود معها ذكريات الحنين الى الماضي، ذكريات الحنين الى الأوطان التي سالت وتسيل من أجلها الدماء كل يوم، ذكريات الألم والحزن والمعاناة التي تعاني منها شعوبنا العربية والمسلمة.
تعاودنا ذكرى النكبة لنخرج مفاتيح بيوتنا التي أخرجنا منها العدو الصهيوني بالقوة، ونتحسر على ما ضاع من الأرض والعرض والأوطان، تعاودنا ونحن تكسونا الخيبة من الحاضر الفاشل والماضي الحزين، تعاودنا وقد كسانا الأبيض من الشعر في الغربة بعد أن كانت لنا أوطان.
مرت علينا ثمانية وأربعون عاماً على نكبة عام سبعة وستين وما زال الحنين الى الأوطان يشعل بداخلنا نار الألم الذي عانه الآباء والأجداد ممن ماتوا وهم يتطلعون كل يوم الى تلك البلاد التي ولدوا فيها ويتأملون أن يدفنوا فيها.
ولكن بنظري كان نصيب آبائنا وأجدادنا أفضل من نصيبنا بكثير؛ فلقد عاشوا نكبة وأحدة وألماً واحداً وخسروا أرضاً واحدة ولم يستطيعوا إستعادتها وماتوا وهم يتطلون الى ذلك اليوم.
أما نحن اليوم فلقد عشنا العديد من النكبات التي بلدت أحاسيسنا وقتلت فينا مشاعر الأمل وقضت على ما تبقى في أنفسنا من العروبة والولاء للأرض وروح الفداء التي تمتع بها من سبقونا.
عشنا نكبة العراق التي رزحت تحت الإحتلال الأمريكي لأكثر من عقد من الزمان، قضى فيها الإحتلال على عراقة العراق وعلمه وفكره وأدبه، وقضى فيها على التاريخ الذي صنعه أبناء الرافدين على مدى ملايين السنوات الماضية.
وما زالت العراق تعيش النكبة بعد النكبة والمصيبة بعد المصيبة، فما أن إحتفلت ولو جزئياً بخروج الإحتلال من أراضيها إلا ودخلت عليها فتن الطائفية والعنصرية التي فتكت بشعبها وقتلت الآلاف منهم وشردت الملايين.
وعشنا نكبات الربيع العربي المزعوم؛ الذي طالب به أبناءه بالحرية والكرامة والعدالة وما وجدوا سوى المزيد من الإضطهاد والقتل لأنفسهم، والخراب والدمار الذي حل بديارهم.
عشنا نكبة سوريا التي تعاني منذ أكثر من خمس سنوات في ظل تعنت قائد وجد أن كرسي الحكم لا يقام إلا على جماجم المواطنين الأحرار، والذين يقاومونه منذ ذلك الحين بلا هوادة، لتتحول بلادهم الى أكوام من الدمار والخراب ويقضي مئات الآلاف منهم تحت التراب.
عشنا نكبة مصر العروبة، أم العرب الروحية وحاضنتهم، والتي طالما كانت الأخت الكبرى لهم، في ظل وجود نظام فاسد لأكثر من ثلاثة عقود، وحين طالبه الشعب بالتنحي؛ نثر قبل رحليه بذور الفرقة والإقتسام والضعف وقضى على إقتصادها وسياحتها وتجارتها.
أما النكبة الليبية فحدث ولا حرج عن الدمار الذي حل بديارهم، مئات من الطوائف والملل المسلحة التي جعلت من الديار الآمنة ميادناً لخوض حروبها وتصفية خلافاتها، لتقضي بذلك على آمال اليبين وتطلعاتهم لحياة أفضل في ظل مخزون نفطي يجعلهم في مصاف الدول المتقدمة الحديثة.
أما اليمن التي تئن بين مد شيعي كبير تدعمه أم الفسق والفجور إيران، وبين دفاع سني تقوده المملكة العربية السعودية ومن يقف خلفها من الدول العربية المسلمة، في ظل إنعدام الأمن والغذاء ومعاناة ملايين اليمنين بعد أن قضى صالح والحوثيين على ما تبقى من مقومات الحياة هناك. ولبنان الصغير بحجمه والكبير بعروبته والذي تتصارع فيه الطوائف والملل ليقضي العام بفراغ سياسي كبير وإنعدام للتطلعات والتوجهات.
والنكبة العظيمة والطامة الكبرى هي نكبة الإرهاب الذي إصطنعه الأعداء في ديارنا؛ فشباب لا نعلم لهم ماض في الإلتزام الديني ولا في التقدم العلمي وجدوا من رفات نكباتنا وجثث أوطاننا مكاناً مناسباً يقضون فيه أوقات فراغهم، ويشبعون فيه رغباتهم في الظلم والدماء والهدم والتدمير.
إرهاب لم يخرج من ديننا الذي طالما دعا الى الوسطية والإعتدال ونهى عن الغلو والتطرف، ديننا الي إنتشر في بقاع الأرض كافة بالسماحة وطيب النفس وحسن التعامل، بعيداً عن ترهيب الآمنين وتخويف المساكين والمستضعفين.
والنكبة الأدهى والأمر هي نكبة الإنسان والعقول التي نعيشها اليوم، فشبابنا بلا ماض يتذكرونه وبلا مستقبل يتطلعون اليه، شباب إنغمس في العولمة والتكنولوجيا متخلياً عن عراقة ماضيه وطيب منبته وأصالة إنسانيته وعروبته.
شباب لا يقدر منى الأوطان ولا يدين بدين نعرفه ونطمئن اليه، لا يتقن إلا أن يلعب بهاتفه المحمول أو أن يصفف شعره أو يعتني بمظره الذي جلب لنا مزيداً من الخزي والعار، وجد في الموضات والصرعات نفسه، فهو يتخبط بين موديل شرقي هنا أو غربي هناك متناسياً الواجب الذي تفرضه أمته ودينه عليه.
نعم هي نكبات كثيرة يطول الحديث عنها، فهنيئاً لكم أيها الآباء والأجداد نكبتكم الوحيدة التي عشتم والتي أورثتمونا فكان همكم واحد وأملكم واحد وحلمكم واحد، ولكننا اليوم نشكي الهموم الكثيرة والآلام الجسيمة بدون تطلعات وأحلام.